درس الوفاء من مهرجان «كان»

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الإثنين 22 أبريل 2019 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

ظهر البوستر الرسمى لمهرجان كان السينمائى الدولى الـ72، ليمنحنا درسا فى الوفاء للسينما، وللتاريخ النابض بحيوية الموجة الفرنسية الجديدة التى ظهرت فى بداية القرن الماضى، ويستمر بريقها حتى اليوم.

اختار المهرجان المصورة والمخرجة الكبيرة ورائدة تلك الموجة أنييس فاردا، التى فارقت الحياة مطلع الشهر الحالى عن عمر 91 عاما، لتكون صورتها وهى ممسكة بكاميرتها إلهام دورته الجديدة المثقلة بأحلام كبار مخرجى العالم وشبابهم، ليؤكد أن سينما فاردا حية تنبض بالحياة ولن تسقط شجرة إبداعها برحيلها، فالسينما التى توحدت بأنفاس بشرها لا تموت وزمنها لا يتوقف.

البوستر تعلوه مقولة «أنييس فى ضوء الشمس الساطع».. وتبعه وصف «على طول الطريق.. بقدر ما يمكن أن تذهب.. تطفو على أكتاف تقنى.. تتشبث بالكاميرا، والتى يبدو أنها تمتصها تماما».

وهى هنا فى الكادر امرأة شابة تبلغ من العمر 26 عامًا ،تحمل الكاميرا لتصور أول فيلم لها فى أغسطس 1954«Pointe Courte» بجنوب فرنسا، ويحيط بها الصيادون المتعثرون، والنساء الصاخبات، والأطفال ملهيين باللعب والقطط المتجولة.. وأتذكر الفيلم الذى عرض فى مهرجان كان، حيث يدور حول شاب (فيليب نواريه) من مواليد قرية لا بوينت كورتى الساحلية بفرنسا، يواجه صعوبة فى فهم السبب الذى يجعل زوجته الباريسية (سيلفيا مونتفورت) لمدة غامضة وغير راضية عن زواجها. يزور الزوجان المكان الجديد وهما يحاولان حل مشاكلهما. فى هذه الأثناء، يتصارع السكان المحليون فى الريف مع المصاعب والمآسى فى حياتهم اليومية.

ومن يتأمل صورة فاردا المتصدرة للبوست يجد أنها تلخص كل شيء عنها: شغفها كفنانة حرة، وإبداعاتها التجريبية على مدار 65 عامًا مع ما يقرب من عمر مهرجان كان، الذى يحتفل كل عام برؤى تكشف إخلاصه لرواد السينما من المخرجين الشجعان والمبدعين، أولئك الذين يصنعون السينما الأصيلة، سواء كانت خيالية أم وثائقية، والذى لا يزال حريصا على تذكر رحلتهم. وتبقى قيمة أنييس فاردا كونها ليست مجرد مخرجة صنعت افلاما عظيمة، وشاركت 13 مرة فى الاختيار الرسمى للمهرجان.. بل كانت أيضًا عضوًا فى لجنة التحكيم فى عام 2005 وكذلك رئيسة لجنة تحكيم مسابقة الكاميرا الذهبية فى عام 2013، وحصلت على جائزة الشرف الفخرية، فى عام 2015، وقد قادت أفلامها الطريق فى طليعة الموجة الجديدة، نعم كانت برؤى تجريبية طليعية، ولكنها اكتسبت شعبيتها، ذاتية لكنها باتت عالمية بحميمية إنسانيتها، وهكذا أصبحت على قمة هرم السينما الأوروبية.

ولابد هنا من أن أشير إلى بعض أفلامها الملهمة، ومنها «كليو من ٥ إلى ٧»، والذى قوبل بحفاوة كبيرة لما يمثله من حالة مثيرة وممتعة للغاية، حول مغنية فرنسية يشتبه أنها مصابة بسرطان، وتأخذنا المخرجة أنييس فاردا إلى عالم تلك الفتاه التى أصبحت تشعر بالموت يقترب من روحها، وهنا تبدأ رحلة قصيرة فى ذكرياتها والأشخاص المقربين منها، حتى أنها تقدم على علاقة مع أحد الجنود الذى تلتقيه بالمصادفة، وتعمل تلك الأحداث على تغيير منظورك للحياة، حيث قدمت أنييس فاردا عملا مليئا بحرارة عاطفية وإنسانية عالية، تدغدغ مشاعر المشاهد بشتى ألوان البساطة والواقع.

ومن أفلامها «لو بونور» الحائز على جائزة الدب الفضى فى مهرجان برلين السينمائى، و«المتشردة»، و«سان توا لى نوا» الحائز على جائزة الأسد الذهبى فى مهرجان البندقية السينمائى و«جاكو»، و«أنا وجامعو المخلفات» الحائز على الجائزة الذهبية شيكاجو، و«شواطئ أنييس» و«الفهود السود»، وهو حزب ثورى نشأ فى الستينيات للدفاع عن السود والأقليات ضد اضطهاد الحكومة، و«وجوه وقرى» الذى اعتبر دليلا جديدا على حرية وإبداع هذه الفنانة الاستثنائية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved