تطورات لافتة فى علاقات موسكو ودمشق

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: الخميس 23 أبريل 2020 - 11:21 ص بتوقيت القاهرة

وجهت وسائل إعلامية روسية، قريبة من دوائر صنع القرار فى روسيا، انتقادات غير مسبوقة للنظام السورى والرئيس بشار الأسد ركزت فيها على تفشى الفساد وفشل الحكومة فى عمل أى إصلاحات، ورفض تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص قانون العفو العام وإعمار الأحياء المدمرة فى بعض المدن. والملاحظ أن هذه الحملة الإعلامية تتواصل منذ عدة شهور.
رسائل ضمنية
كشفت هذه الحملة الإعلامية عن ما تمر به العلاقات الثنائية الروسية السورية فى الفترة الأخيرة من توترات وقلق ارتبط بعدد من القضايا التى شهدت نوعا من التباين بين الطرفين بخصوصها والتى تبلورت فى إصرار روسيا على تثبيت وتأكيد النفوذ الروسى المنفرد فى سوريا وإزاحة النفوذ الإيرانى وتحجيمه وبما يمنح روسيا الهيمنة على القرار السورى عند الدخول فى أى مراحل قادمة للتسوية وبما يتوافق مع الاستراتيجية والمصالح الروسية التى تتباين فى كثير من عناصرها مع المصالح الإيرانية.
هذا فضلا عن التأكيد على خريطة التفاهمات التى عقدتها روسيا ــ منفردة ــ مع كل من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل بخصوص سوريا، والتى ارتكزت على أن تكون منطقة شرق الفرات للولايات المتحدة وحلفائها، وغرب الفرات لروسيا والنظام، وعدم التدخل فى أى عمليات عسكرية إسرائيلية موجهة ضد المواقع الإيرانية والتزام الجيش السورى بذلك، فضلا عن إبعاد أى قوات إيرانية أو فصائل تابعة لها خاصةً حزب الله من المناطق القريبة من الجولان تحقيقا لمطلب إسرائيلى، وتزامن ذلك مع حرص روسيا على التفاهم مع تركيا على هدنة فى إدلب، كان مقررا ألا تتم إلا بعد طرد العناصر الإرهابية من شمال حلب وشمال حماة وتحرير طريق حلب اللاذقية، ودفع الفصائل الإرهابية بعيدا عنه مسافة تسمح بالحركة الآمنة عليه والضغط على الجيش السورى لوقف عملياته دون تحقيق ذلك.
قلق نظامى
من جانبه أدرك النظام السورى ذلك، وتزايد لديه القلق من تكرار تهميش روسيا له فى قضايا وقرارات حيوية، يفترض أنه صاحب القرار الأول فيها على سبيل المثال إعلان وقف إطلاق النار فى إدلب بعد اجتماع الرئيسيين الروسى والتركى، والتفاهمات مع الولايات المتحدة لاقتسام النفوذ على جانبى الفرات، فضلا عن التفاهمات مع إسرائيل، ومنع الجيش السورى من استخدام وتفعيل منظومة الدفاع الجوى إس ــ 300 لمواجهة الهجمات الجوية الإسرائيلية. ووضح للنظام السورى أن هذا هو الإطار والضوابط التى حددتها روسيا لحركته.
وزاد من قلق الحكومة السورية أن بعض القيادات الروسية بدأت تتحدث علنا عن ضرورة حدوث تغيير فى بنيه النظام السورى وأن المرحلة الانتقالية سوف تكون ضرورية، فضلا عن الترابط بين مسارى سوتشى والأستانة، ومسار جنيف الذى تصر عليه الأمم المتحدة والدول الغربية، وهو ما يمثل تهديدا لمستقبل النظام بتركيبته الحالية.
دور إيرانى
يبدو من خلال متابعة مُجمل تفاعلات روسيا مع كل من إيران وتركيا فى سوريا، باعتبارهم الدول المؤسسة لما يُعرف بمسارى سوتشى والأستانة لحل الأزمة السورية، أن هناك تراجعا ملحوظا فى درجة التنسيق والثقة بين موسكو من ناحية وأنقرة وطهران من ناحية أخرى. حيث لم تعد ترغب روسيا فى أن يظل لكل من إيران وتركيا ما لهما من تأثير فى المعادلة السورية، ويتضح ذلك من تزايد حجم التباينات بين الأطراف الثلاثة فى سوريا.
وقد أثار استياء روسيا حسب تقدير دوائر روسية وغربية تجاوز الحكومة السورية للمحاولات الروسية لضبط حركة دمشق تجاه إيران، وعدم الانخراط فى الممارسات الإيرانية المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل حتى لا تفقد موسكو أوراق مساومة مع كل البلدين فى قضايا ثنائية متعددة.
ولاشك أن الزيارة المفاجئة للرئيس السورى لإيران والتى أكدت دوائر روسية أنها لم تجرِ بالتنسيق مع موسكو، وكانت مفاجئة لها، إلى جانب العديد من التطورات على مستوى العلاقات الثنائية بين الطرفين، زادت من الاستياء الروسى خاصة عودة مجموعات تابعة إلى حزب الله وميليشيات شيعية أخرى إلى سفوح الجولان بعد تصريح رئيس مجلس الأمن القومى الإيرانى «على شامخانى» أن الجولان ستكون أحد المسارح للرد والانتقام لقاسم سليمانى، وتزايد الحضور والانتشار العسكرى لإيران وبعض ميليشياتها فى دير الزور، وعودة قوات النخبة التابعة لحزب الله للانخراط فى المعارك خاصة فى معارك استعادة سراقب وريف إدلب بما يتجاوز بعض التفاهمات الروسية التركية.
كما أن عقد اتفاق بين سوريا وإيران بخصوص الاستثمار فى ميناء بانياس كنافذة لإيران على البحر المتوسط، وانخراط عدد من الشركات الإيرانية فى دراسة والتخطيط لمشروعات إعمار سوريا تبدأ من منطقة السيدة زينب، اعتبرتها روسيا تشويشا وانتقاصا من حرصها على امتلاك ورقة إعمار سوريا بصورة كاملة سواء للحصول على ثمن انخراطها فى الأزمة السورية أو مساومة الأطراف المعنية.
وجاء حرص النظام على تفعيل وتكثيف العلاقات مع إيران على هذا النحو لموازنة الضغوط الروسية عليه، وتقديرى أن طهران تحتاج دمشق بتركيبتها الحالية ولن تساوم عليها فى ظل ما تواجهه من ضغوط وتحديات، وإذا كان حزب الله يساند الحكومة السورية فإنه يحتاجها أيضا لموازنة ضغوطه الداخلية وتحديات الخارجية.
وتُدرك طهران أن تعميق نفوذها فى سوريا فى هذا التوقيت على المستويات المختلفة، خاصةً المستوى العسكرى، سيشكل سندا ومبررا لدور إيرانى فاعل فى سوريا ما بعد الحرب فى المجالات المختلفة، وعلى رأسها الملف الاقتصادى وجهود إعادة الإعمار. ويُشار فى هذا الإطار إلى أن تصريحات كبار المسئولين الإيرانيين تشير صراحةً إلى أن طهران ترغب فى المشاركة بصورة فاعلة فى مرحلة البناء وإعادة الإعمار فى سوريا. وتستهدف طهران من تحركاتها الراهنة بسوريا التأكيد على أنها موجودة فى سوريا بدعوة شرعية حالها حال روسيا التى تتمتع بحضور عسكرى مقنن أبرزه قاعدتى طرطوس وحميميم غرب سوريا.
ضبط المسار
وفى محاولة لتقدير مسار العلاقات الروسية السورية خلال الفترة القادمة، وفى ضوء ما سبق، نشير إلى الملاحظات التالية:
* إن روسيا لن تضحى بالنظام السورى فى هذه المرحلة رغم كل انتقاداتها، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن الهدف الرئيسى حاليا هو ضبط مسار حركته للتوازن مع الاستراتيجية الروسية فى المنطقة.
* والترتيب لضرورة حدوث تغيير لسياسة النظام الداخلية لكسب مزيد من الشعبية والاستقرار لاستحقاقات المرحلة القادمة، خاصة فى ظل تقدير تراجع الانخراط الدولى فى الأزمة السورية نسبيا فى ظل تداعيات جائحة كورونا خاصة على اقتصاديات ومقدرات تلك الدول.
* إن مصلحة إيران ومصلحة دمشق تتطلب المحافظة على إطار التحالف القائم بينهما، وسوف يصبح هذا التحالف هدفا روسيا وإن تطلب ضرورة التعامل معه وعدم تصعيد أى خلافات بخصوصه.
* إن الانفتاح المصرى على سوريا فى هذه المرحلة يمكن أن يمثل دعما لدمشق فى مواجهة ضغوط جميع القوى التى تستثمر حضورها ودورها فى الأزمة لتحقيق مصالح ذاتية.
* من الضرورى أن ينفتح النظام السورى على قوى المعارضة خاصة غير العسكرية على اختلافها، وتقديم تنازلات، وهو أمر تلح عليه روسيا.

مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved