تحرى الصدقات

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 22 أبريل 2021 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

رمضان كما أنه هو الوقت المحدد من المولى عز وجل لقضاء فريضة الصوم، فهو أيضًا موسم لإخراج الزكاة التى تُدفع كل حول هجرى، وزكاة الفطر ولها فترة أكثر تحديدًا، كما أن رمضان موسم لإغداق المحتاجين وغيرهم فى الصدقات.
والزكاوات لها ثمانية منابت حددها المولى عز وجل فى الآية 60 من سورة التوبة، ويقول العلماء إنه من المفضل أن توزع الزكاوات على كل المنابت قدر المستطاع، فلا يتم التركيز على واحد دون الآخر. والصدقات منابتها أشمل وأكثر، لأنها أيضا تجوز على الجميع المحتاج وغير المحتاج، فالبسمة صدقة، والصدقات ليس لها نصاب، ومنها المادى ومنها المعنوى، ولا ترتبط بمرور حول أو خلافه.
واحد من الأمور التى يشتهر بها شهر رمضان عقد موائد الإفطار، أو ما بات يعرف إعلاميًا بموائد الرحمن، كنية عن أن الله هو من يستضيف رواد تلك الموائد (غنى وفقير) دون أن يكون لأصحابها فضل على المضيفين. وإفطار الصائم هو أمر مستحب عند المصريين تجدهم يلتزمون به مهما وردت تعليمات بمنعه خشية عدوى كوفيد 19 أو خلافه، لما فيه من اعتياد لعمل الخير، وما ورد فى إفطار الصائم من حديث نبوى شهير يخص الثواب العظيم لمن يقوم به، ناهيك عن أحاديث أخرى ورد فيها بشكل عام مسألة إطعام الطعام. وقديمًا قالوا إن إطعام الطعام، يزيد المحبة بين الناس.
على أن المشكلة فى أن البعض ممن يقوم على تلك الأعمال الخيرية يلقى بالمال بغرض إعداد موائد الرحمن دون حساب لمن يستحق ومن لا يستحق.
شهادة من كاتب تلك السطور حدثت منذ أيام قليلة، وهو إشرافى على أحد تلك الموائد مع بعض الجيران، ونظرًا لشعورى بعبء المهمة، خاصة أن المال المجموع لهذا الغرض ليس ماليا، لذلك وجب من باب أولى الحفاظ عليه لدفعه للغرض الذى دفع من أجله. لاحظت أن أعداد المفطرين على المائدة ترتفع يومًا بعد يوم بشكل مضطرد، وكان البعض يرى ألا يرد طالب طعام. لكن ونظرًا للخشية على ألا نكمل الشهر بسبب زيادة الطلب على وجبات الطعام، كان لابد من التحرى والتدقيق، بحيث يحصل على وجبة الطعام أولا كل من يعمل فى المكان الذى نسكن فيه (الكمبوند)، ثم بعد ذلك نتوسع لو لزم الأمر.
عندما توسعنا وجدنا أمرا غريبا، وهو أن المفطرين يقدمون لأخذ الوجبات بحجة عدوى (كورونا) ويخرجون بسرعة من المكان مهرولين إلى أماكن أخرى لأخذ وجبات من مكان آخر، فيما يوصف بأنه جشع شديد عبر الطمع فى النهل من هذه المائدة وتلك، وتخير الطعام من الوجبات المجموعة من مصادر مختلفة، وإلقاء أغلبية الوجبات فى سلال المهملات، ومن ثم حرمان الآخرين الأكثر احتياجًا والملتزمين بالقناعة من الحصول على حاجاتهم. كما وجدنا أن البعض يبالغ فى طلب عدد من الوجبات لآخرين مقيمين معهم، ولا يعملون بالضرورة داخل الكمبوند. رد الفعل إزاء كل ذلك كان أخذ إجراءات صارمة لضبط وربط تلك المسألة بحيث يتوقف هذا النزيف، وتم ذلك بعد اتصال مع القائمين على موائد الرحمن فى الأماكن المجاورة، وكذلك إصدار التعليمات للقائمين على أمن الكمبوند.
غاية القول من ذلك كله، هو أن عملية التدقيق فيمن يحصل على الزكاة أو الصدقة أو خلافه أمر واجب وليس مجرد رفاهية، لأن فى ذلك ذهاب المنحة التى وهبها المولى عز وجل إلى من يستحق فعلا، وعدم حرمان الآخرين الذين لا يسألون الناس إلحافًا، وإنهاء حالة الارتزاق والاستغلال الكبير التى يرى البعض من الطالحين إن المانحين يبغون الثواب وأن عليهم استغلال تلك النزعة الإيجابية بغرض سلب أموالهم.
أمران مهمان ظهرا فى عدم تحرى دفع الزكاة فى السنوات الماضية، واحد يتعلق بالمؤسسات، والآخر يتعلق بمنابت الزكاة.
بالنسبة للمؤسسات فيلاحظ أن البعض يستسهل دفع المال المخصص للزكاة أو الصدقة بالذهاب إلى الجمعيات، دون أن يدقق فى اسم الجمعية ونشاطها، وطرق قيامها بعملها، وكأنه يلقى بالعبء من عليه، ليتحمله غيره. لكن هذا الأمر قد لا يكون مفيدًا فى جميع الأحوال، خاصة عندما يقع المرء ضحية ثلة من النصابين والمرتزقة القائمين بعملهم بشكل منظم، والقادرين بحلاوة لسانهم على إقناع الغير بحسن تصرفهم.
أما فيما يتعلق بمنابت الزكاة، فهناك مسألة الغارمات التى ظهرت فى السنوات الأخيرة، والتى يقبل عليها البعض لدفع الزكاوات دون التحرى فى مشكلة هؤلاء، وكيف غرموا، لأن البعض منهم وردت عليهم أحكام بغرامات لم يدفعوها وسجنوا لا بسبب استدانتهم لحاجة شديدة، بل بسبب تجارة غير مشروعة أو خلافه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved