مشروع قناة اسطنبول يتحدى روسيا ويهدد بزعزعة المنطقة

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 22 أبريل 2021 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة «هاآرتس» مقالا للكاتب تسفى باريل، تحدث فيه عن مشروع أردوغان بإنشاء قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، ذاكرا المنافع السياسية والاقتصادية التى ستعود على تركيا من وراء هذه القناة.
تناول الكاتب أيضا نظرة كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا لهذه القناة.. نعرض منه يلى.

عندما هددت بروكسل بفرض عقوبات على تركيا لعدد من الأسباب، كان من المتوقع أن يحاول أردوغان تهدئة الاتحاد الأوروبى لكن ما حدث عكس ذلك. فهذا الشهر تم لعب لعبة الكراسى عندما التقى الرئيس رجب طيب أردوغان فى قصره برئيس المجلس الأوروبى، تشارلز ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين. كان من المفترض أن يكون هذا الاجتماع، الذى تم التخطيط له مسبقًا قبل أسابيع، مهمًا بشأن القضايا التى تسببت فى توتر كبير بين الاتحاد الأوروبى وتركيا.
لكن اللقاء كان مهزلة. حيث سار أردوغان وميشيل ببطء نحو كرسيين أنيقين معدّين لهما، وجلسا وشاهدا فون دير لاين تبحث عن كرسى دون أن يكلف أى من الرجلين عناء النهوض والبحث عن كرسى لها أو تقديم كرسيه الخاص به.
انتشرت صور هذه المهزلة على نطاق واسع، ووصف رئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى أردوغان بأنه ديكتاتور. كما أدانت المفوضية الأوروبية ميشال وكذلك أردوغان. وقال وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو إن ترتيبات الجلوس تتبع البروتوكول المتفق عليه مع المفوضية ــ وهو ادعاء نفته المفوضية بقوة. وبناء عليه يمكننا القول إن هذا ظاهريًا مجرد دليل آخر لحرب الإهانات بين الاتحاد الأوروبى وأردوغان.
***
أدرك أردوغان منذ فترة طويلة أنه قادر على التصرف كما يشاء تجاه أوروبا بل وبإمكانه تحقيق الفوز. فلأكثر من ستة أشهر، كان الاتحاد الأوروبى يناقش كيفية الرد على تنقيب تركيا عن النفط والغاز فى مياه البحر الأبيض المتوسط؛ حيث تدعى اليونان ملكيتها. ولكن التحذيرات والتهديدات وحتى محادثات المصالحة ذهبت سدى. يتم تأجيل القرارات من قمة أوروبية إلى أخرى؛ والانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبى تزداد عمقا. حتى تنصيب رئيس أمريكى جديد ودعمه لمطالب أوروبا لم يدفع الاتحاد الأوروبى إلى اتخاذ قرار، خشية أن يرد أردوغان على أى عقوبات بإغراق أوروبا باللاجئين.
لكن عندما يأتى الأمر إلى روسيا فلن يجرؤ أردوغان على لعب لعبة الكراسى معها. إلا أنه وبعد لقاء أردوغان، قبل أسبوع تقريبا، مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، قال إن تركيا تقف إلى جانب الشعب الأوكرانى وتعارض ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتسعى لتحقيق السلام فى المنطقة. بل كانت هناك تقارير تفيد بأن أنقرة قد تبيع أوكرانيا طائرات تركية بدون طيار.
اعتبرت روسيا هذه التصريحات بمثابة تهديد وردت بسرعة. وأمرت بتقليل الرحلات الجوية التجارية بين روسيا وتركيا إلى رحلتين أسبوعيًا حتى منتصف يونيو، بزعم تفشى فيروس كورونا. مما يعنى أن أكثر من نصف مليون سائح وسائحة سيتعين عليهم إلغاء رحلاتهم.
لكن احتضان تركيا لأوكرانيا ليس السبب الرئيسى لقلق موسكو بل حلم أردوغان ببناء قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، الذى تطل عليه أسطنبول، هو سبب القلق والقنبلة الموقوتة فى آن واحد. لأنه إذا تحقق هذا الحلم، سيهتز استقرار المنطقة.
بداية، يعرف مشروع القناة باسم «قناة إسطنبول»، ظهر أول ما ظهر فى تسعينيات القرن الماضى ويرجع ذلك أساسًا إلى الحجم الهائل لحركة المرور البحرية عبر مضيق البوسفور. واليوم، يقدم أردوغان أسبابًا اقتصادية للخطة ويقول خبراؤه إن زيادة حركة المرور عبر القناة ستحقق للبلاد أرباحا قد تصل لعشرات المليارات من الدولارات سنويًا. كما أنه سيوفر للشعب التركى، الذى يعانى من بطالة بنسبة 13 فى المائة، عشرات الآلاف من وظائف التصنيع والخدمات الجديدة فى الشركات الناشئة على طول القناة.
ليست الجوانب الاقتصادية للخطة هى التى تزعج روسيا وبروكسل والبلدان المطلة على البحر الأسود. فحركة المرور عبر مضيق البوسفور تخضع لاتفاقية مونترو لعام 1936، التى تحكم تفاصيل مثل كميات البضائع وأنواع السفن المسموح بمرورها.
لكن سيكون لتركيا السلطة الوحيدة فى التحكم فى حركة المرور والبضائع المارة. وستكون قادرة أيضا على السماح بمرور السفن الحربية من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود!.
يُعد هذا ظاهريًا خبرا جيدا للولايات المتحدة، التى ستكون قادرة على إرسال سفنها الحربية إلى البحر الأسود إذا اندلعت الحرب مع روسيا. لكن لا شك فى أن واشنطن ستضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة لتركيا، مثل التخلى عن حملتها ضد استحواذ تركيا على أنظمة «إس ــ 400» المضادة للطائرات من موسكو. سيتعين على جو بايدن أيضًا تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التركية والسماح لأردوغان بفعل ما يشاء ضد الأكراد.
ومع ذلك، حتى لو نظر بايدن إلى القناة باعتبارها أحد الأصول الاستراتيجية، فإنه سيكتشف أن الصينيين هزموه بقوة. حيث أعربت الصين عن اهتمامها بالقناة فى عام 2011. وبحسب تقارير إعلامية تركية، تخطط الشركات الصينية لتقديم أربع مناقصات لبناء المشروع. من المتوقع كذلك أن يضمن بنك الصين الكثير من أعمال البناء، وكثيرا ما يلتقى أردوغان مع المسئولين الصينيين لتقديم عروض مغرية.
وكتعويض للصين، تلتزم تركيا الصمت حيال اضطهاد أقلية الإيجور فى الصين (أحبط حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان مشروع قانون لإنشاء لجنة برلمانية للتحقيق فى جرائم الصين ضد الإنسانية ضد الإيجور).
***
أطلق أردوغان على القناة اسم «مشروع مجنون» وهاجم المعارضة، لمعارضتها خطة القناة، مشيرا إلى طموحه فى تحويل تركيا إلى قوة إقليمية تجعل كلا من روسيا والولايات المتحدة تعتمدان عليها. على أى حال، لا تزال هذه الخطط محط الأنظار والجدل، لا سيما عندما تعانى تركيا من واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية وتواجه موجة رابعة من فيروس كورونا بمتوسط يزيد على 56 ألف حالة جديدة يوميًا.
فى الخلاصة، جنون العظمة لدى أردوغان لا يعرف حدودًا، ومن الأفضل أن ينتبه أى شخص يقف فى طريقه. على الأقل هذا ما تعلمه 104 من الأدميرالات السابقين وغيرهم من قادة البحرية السابقين الذين أرادوا من أردوغان التراجع عن فكرة قناة إسطنبول، والتى يمكن أن تضع تركيا فى قلب نزاع دولى.
عززت استطلاعات الرأى الأخيرة تحليلهم هذا، والتى أظهرت أن الدعم للحزب الحاكم يقل عن 30 فى المائة. ولأنه من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية فى عام 2023، سيتعين على أردوغان تعزيز موقفه فى الحكم.
وكجزء من هذا الجهد، يعمل أردوغان وحزبه فى البرلمان على القضاء على حزب الشعوب الديمقراطى المؤيد للأكراد قبل الانتخابات القادمة من خلال اعتقال أعضائه والمطالبة برفع الحصانة البرلمانية عنهم.
كما تحاول الحكومة صرف انتباه الناس عن ارتفاع الأسعار بوسائل شعبوية مثل البطاطس المجانية والبصل للمحتاجين. من جانبه، أشاد وزير الصحة فخر الدين قوجة باللقاح الصينى ضد فيروس كورونا. لكن أقل من 12 مليونا من سكان البلاد البالغ عددهم 80 مليونا تم تطعيمهم. ويصاحب نقص اللقاح فى تركيا وفشل توزيعه ارتفاع معدلات الإصابة. فى غضون ذلك، تعهد أردوغان بإرسال 150 ألف جرعة إلى ليبيا.
من المفترض والمنتظر أن تختفى كل هذه المشاكل بطريقة سحرية فى مياه قناة إسطنبول!.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved