ثقافة الإنسان والكراهية

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الجمعة 22 أبريل 2022 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

إن الذى حدث فى الأيام الأخيرة عن مقتل أحد القساوسة على كورنيش الإسكندرية لهو حدث جلل، ويخبرنا هذا الحدث أن المجتمع مريض ويحتاج إلى علاج سريع. فالشواهد الأخيرة كثيرة من منع إحدى السيدات المسيحيات من تناول وجبة فى نهار رمضان، إلى مظاهر التدخل فى شئون الأفراد. ولا نريد أن نستمع إلى المقولة التقليدية «أن القاتل مختل عقليا أو مريض».. هذه تفسيرات لا نستطيع أن نقبلها بهذه الطريقة الخطيرة فى هذا الزمن الذى نستطيع أن نعيد ونستخدم فيه حقوق الإنسان ومعاييرها للقضاء على هذه الظاهرة.
لا يمكن أن تمر هذه الأحداث دون وجود رد فعل يعمل على تغيير ثقافة المجتمع، فعلى سبيل المثال لابد من تعيين مسئول عن حقوق الإنسان فى كل المحافظات وأقسام الشرطة وخلافه، وإذا لم يتم تدريب هؤلاء الذين عينوا فالخطوة ستكون عبثية ولا تؤدى إلى أى نتائج إيجابية.
ولذلك فإن المجلس القومى بتشكيله الحالى مسئول مسئولية كاملة عن هذا الخط، وخاصة مع تشكيل لجنة لنشر ثقافة حقوق الإنسان فى المجلس الحالى، وتتولى هذه المهمة الصعبة الدكتورة نيفين مسعد الأستاذة فى كلية الاقتصاد. ولا يمكن أن نبدأ إلا بصغار السن لأنه فات على الكبار التدريب أو الإقناع بحقوق الإنسان.
المجتمع المصرى يحمل بذرة التعصب منذ زمن بعيد، بل ولم يتعرض أحد لهذه الظاهرة علميا وعمليا لأن ثقافة حقوق الإنسان مجموعة من القيم والأفكار والسلوكيات والتقاليد والمعتقدات. وتقوم أيضا على مفهوم التعددية والتنوع والاختلاف، وهذا يتطلب شراكة فعلية بين الدولة ومؤسسات المجتمع، أى التواصل بين النخبة المعنية بحقوق الإنسان وبين عموم الشعب.
ثقافة حقوق الإنسان لا تعتمد فقط على معرفة الإعلان العالمى والقوانين، ولكن أهم من هذا كله الممارسة، فالتربية على حقوق الإنسان تعمل على إحداث تغيير جذرى فى المجتمع، فمبدأ التلقين فى التعليم لن يثمر شيئا.. ولذلك يجب أن نبدأ فى نشر ثقافة حقوق الإنسان منذ الطفولة. البداية مع صغار السن، فيجب أن تتولى نخبة معنية بحقوق الإنسان تدريبهم بشكل علمى وعملى، وفصل حقوق الإنسان عن السياسة من خلال مناهج دراسية عملية وليست نظرية، ليشب الأطفال بعيدا عن كل الموروثات التى أدت بنا إلى وجود التعصب تحت السطح.
هناك تجارب كثيرة فى هذا المجال ولكن المجتمع لا يعترف بها، مثل تجربة لجنة الثقافة فى الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية وكنت المسئول عن نشر ثقافة حقوق الإنسان، إذ دربنا نحو مائة ألف تلميذ من المراحل الابتدائية والإعدادية، وتعلموا فى هذه المرحلة ثقافة حقوق الإنسان عن طريق الرسم والتمثيل والأغانى ومواد مشوقة كثيرة.
وكان من نتيجة ذلك أن أبدع الطلاب فى نهاية المرحلة بمعرض عن حقوق الإنسان فى الرسم والتصوير والأعمال الموسيقية وابتكارات مذهلة من هؤلاء الطلاب. وتم تقديم فى هذا المعرض 193 بحثا و105 صور فوتوغرافية و443 لوحة رسم «وأغنية»، هذا إذا كنا نريد أن ندبر أشياء عملية بخلق إنسان يؤمن بحقوق الإنسان.
يجب أيضا ألا تتعلق هذه التدريبات بالمساواة والحريات العامة فقط بل يجب أن تمتد للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية. وتأكيد فكرة وجود قاسم مشترك بين البشر جميعا، وتطبيقه على أرض الواقع. فشلت فكرة التلقين فى مجال حرية الرأى والتعبير، لابد من تدريب هؤلاء الأبناء على الحماية من سوء الاستخدام والتعذيب والعبودية والتصفية الجسدية.. فهل من المعقول فى هذا الزمن أن يقوم أحد التلاميذ بقتل زميله فى الفصل لاختلاف فى الرؤى؟!
فى الآونة الأخيرة، يهتم العالم كله بقضايا حقوق الإنسان، لذلك يجب أن نبدأ إن كان هناك مشروع جاد وأنا أثق فى الدكتورة نيفين أنها سوف تغير الواقع. فيجب أن نقيم أولا حالة حقوق الإنسان فى مصر، ويجب على المجتمع المدنى أيضا أن يلعب دوره متمثلا فى الجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب السياسية.
فالمجتمع المدنى يستطيع أن يلعب دورا مهما، وقد وصل عدد النقابات فى مصر إلى 24 نقابة، ووصل عدد الجمعيات الأهلية إلى نحو 16 ألف جمعية، ووصل عدد الجمعيات المهتمة إلى نحو 30 جمعية وهذا عدد متواضع للغاية.
يجب أن نبدأ من الآن لأن الوضع يشير إلى نتائج وخيمة.. فنشر ثقافة حقوق الإنسان تتمثل فى ترسيخ وتعليم الحوار ونشر قيم التسامح والتعامل والتضامن بين أفراد المجتمع، وتحرير الفرد وتشجيعه على المشاركة فى الحياة العامة بتدريبه وتطوير مهاراته وقدراته فى مختلف مواقعه فى المجتمع، ونشر مفهوم ثقافة الحق فى الاختلاف.
ومن أهم المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما يجب تغيير الموروث الثقافى الذى لا يريد أحد أن يتعرض له. وعندما يقوم أحد بمناقشة الموروث الثقافى الذى لا يتناسب مع الواقع الآن يتعرض للاتهامات وإلى دخول السجن.
كل هذا هو بعض المقترحات لنشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال لجنة علمية دقيقة لتوضيح الاتفاقيات التى أبرمت لنشر ثقافة حقوق الإنسان فالأمر أصبح ملحا، ويجب أن نبدأ من الآن لأننا نتكلم عن بناء الإنسان المصرى ووضعنا استراتيجية لحقوق الإنسان، وعلى كل القوى التى ذكرناها أن تتشارك فى هذا العمل وفورا لحماية مصر وأبنائها وبناتها من أخطار الكراهية والتعصب وعدم الإلمام بحق الآخرين فى الحياة وتطبيق ثقافة حقوق الإنسان.
المسئولية الآن على المجلس القومى لحقوق الإنسان والمجتمع المدنى لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved