مربية بأجر وكيل وزارة!

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 22 مايو 2010 - 9:55 ص بتوقيت القاهرة

 من يصدق ان أجر المربية أو الشغالة الفلبينية فى مصر أصبح يتجاوز راتب وكيل أول الوزارة فى مصر؟.. ومن يصدق أن فى مصر التى قيل لنا يوما ما إن «دبة النملة» مسموعة فيها ومرصودة، سوقا خفية للعمالة الأجنبية تتحكم فيها عصابات من السماسرة والوسطاء، وهذه العصابات هى التى تحدد الأسعار التى باتت تراوح بين 400 و800 دولار فى الشهر. حسب الجنسية، فالأسعار المتدنية للقادمات من الدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية، والمرتفعة للقادمات من جنوب شرق آسيا.

هو عالم حافل بالحيل والألاعيب التى تستثمر الفوضى والتسيب فى المجتمع المصرى، كما تستثمر تركيز أجهزة الأمن على ما هو سياسى. وإغفال ما عداه. ذلك أن كل ما يتحرك فى داخل ذلك العالم يتم خارج القانون. فلا التجارة مشروعة ولا «البضاعة» لها سند من الشرعية. ولأن الذين يتعاملون مع السوق على وعى بتلك الخلفية، فإنهم يتكتمون الأمر، ويغضون الطرف عن الكثير من حوادث الابتزاز والهروب والاحتيال والسرقة التى يتعرضون لها، خشية استدعائهم إلى مقرات الشرطة أو النيابة لمساءلتهم.

الذى لا يقل أهمية عن كل ذلك ان جيش العمالة غير الشرعية يزحف على مصر مستغلا الثغرات التى أشرت إليها، ومستفيدا من وفرة السيولة لدى فئات القادرين، الذين أصبحوا يتنافسون على اقتناء المربيات والشغالات الأجنبيات، ويبدون استعدادا لدفع أجور تعادل أضعاف ما يتقاضينه فى الدول النفطية الغنية (متوسط الأجر 200 دولار فى الشهر)، فى الوقت ذاته فإن جيش العاطلين فى مصر تنضاف إليه كل يوم أعداد جديدة، والتقديرات المتداولة تتحدث عن أن عددهم وصل إلى نحو ثلاثة ملايين شخص.

لقد أتيح لى خلال الأسابيع الأخيرة أن أتعرف على بعض جوانب ذلك العالم، خصوصا ممارسات مافيات السماسرة، الذين تخصص بعضهم فى جنسيات معينة، يستجلبون الفتيات منها بترتيب مع مكاتب أو أشخاص فى العواصم الآسيوية والأفريقية، وأحيانا يزوجونهن من شبان مصريين للاحتيال على شروط الإقامة. وقيل لى إن هؤلاء يحققون مكاسب كبيرة من وراء تلك التجارة. لأنهم يوزعون المربيات على عدد من البيوت ويتقاضون نسبتهم من الأجر، وبعد شهرين أو ثلاثة يعيدون توزيعهن على مجموعة أخرى من الزبائن.

ويتقاضون نسبتهم مرة ثانية، ويظلون يكررون العملية وينقلوهن من بيت إلى بيت على مدار العام.. وهكذا، وقيل لى إن من أولئك السماسرة من يلجأون إلى الكنائس التى يتبعها أولئك الفتيات، لأنها تعلق على أبوابها قائمة بأسماء وجنسيات وأرقام هواتف الوافدات أو الهاربات من البيوت اللاتى يبحثن عن أجور أعلى كما أن لهم عيونهم فى النوادى الكبرى التى يتصيدون منها المربيات المرافقات للأطفال. وسمعت فى دولة الإمارات شكاوى بعض العائلات التى قضت عطلاتها وعدن بغير المربيات اللاتى اصطبحتها، بعدما تعرضن للإغواء بالأجور المضاعفة والاختطاف من جانب السماسرة.

لم يستغرب وزير الدولة للتنمية الإدارية الدكتور أحمد درويش من وصول أجر المربية الآسيوية إلى 800 دولار فى الشهر (نحو 4500 جنيه) ومنه عرفت أن ذلك المبلغ يعادل الراتب الشهرى لوكيل أول الوزارة.

وكان تعليقه أن هذه مفارقة كاشفة تسلط الضوء على عدة أمور، أولها أن ثمة طلبا متزايدا على العمالة الأجنبية فى هذا القطاع بقدر ما أن هناك إعراضا عن العمالة المحلية، وثانيها أن نظام الأجور عندنا يشوبه خلل يحتاج إلى إعادة نظر، بحيث يصبح الأجر مرتبطا بطبيعة الوظيفة التى تؤدى وليس بالشهادة التى يحملها الشخص.

الأمر الثالث أن موضوع استقدام العمالة الأجنبية فى البيوت يحتاج إلى تنظيم قانونى يعالج الفوضى الحاصلة ويسد الثغرات التى سمحت بنشوء تلك السوق. أما الأمر الرابع فهو أن مصر إذا أرادت أن تقضى على الظاهرة فينبغى أن توفر البديل المحلى المعقول من خلال العناية بتدريب العمالة المصرية والارتفاع بمستوى مهاراتها، مع إعادة النظر فى منظومة القيم الاجتماعية السائدة التى تحط من قدر بعض المهن الشريفة، وتؤثر البطالة على الاشتغال بها.حين انتهى الوزير من كلامه، تسرب إلىَّ الشعور بالإحباط، لأنه أقنعنى بأن المشكلة لا حل لها فى الأجل المنظور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved