التناقض بين القول والفعل

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 22 مايو 2019 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

بعيدا عن كل ما يقال عن نجاح أو تعثر أو حتى فشل منظومة الامتحان الإلكترونى للصف الأول الثانوى، فى إطار «المنظومة الشاملة لتطوير التعليم»، فإن تعامل الأمن مع احتجاج طلبة وطالبات «أولى ثانوى» فى عدة محافظات على عيوب ومشكلات المنظومة التى يعتبرونها تهديدا لمستقبلهم وجّه ضربة قوية لفلسفة تطوير التعليم التى يرددها القائمون على التطوير باستمرار.

فوزارة التعليم تقول إن «الاسئلة فى الامتحانات الجديدة تستهدف تشجيع الطالب على التفكير النقدى والتعليم العميق»، ووزير التعليم يقول إن «النظام التعليمى الجديد يتميز ببث الأخلاق الحميدة، وروح الانتماء والولاء، وإعداد جيل يتمتع بمهارات العصر الحديث من إجادة لاستخدام التكنولوجيا، والقدرة على التفكير الناقد، والتواصل مع الآخرين، وقبول الرأى الآخر، وبناء شخصية الطالب».

بالقطع كل هذا «كلام جميل وكلام معقول». لكن عندما صدّق قطاع من طلبة الصف الأول الثانوى أن لهم حقا فى التفكير النقدى والاعتراض على ما يرونه خطأ وأرادوا التعبير عن هذا التفكير فى صورة وقفات احتجاجية بريئة، تصدى لهم الأمن ففض احتجاجهم وألقى القبض على عدد منهم قبل أن يتم الإفراج عنهم.

هذا التناقض فى الموقف الرسمى من «أطفال الثانوى» يهدد بخروج جيل مصاب بالشيزوفرينيا، أو الانفصام فى الشخصية، عندما يجد نفسه فى مواجهة كلام جميل مطلوب منه أن يردده، وواقع عكس ذلك تماما عندما يحاول ترجمة هذا الكلام إلى فعل.

تشجيع التفكير النقدى والقدرة على التعبير عن الرأى، وقبول الرأى الآخر لا يجب أن يكون مجرد كلام يردده المسئولون، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأجيال الناشئة حتى لا تفقد هذه الأجيال ثقتها فيما تتلقاه من قيم ومثل ومبادئ. فإذا كانت وزارة التعليم تستهدف الوصول إلى خريج «يمتلك القدرة على التفكير النقدى وقبول الرأى الآخر» وهو هدف عظيم ونبيل بلا شك، فعليها أن تقبل اعتراض أو حتى رفض البعض لما تطرحه من أفكار للتطوير خاصة عندما تصطدم هذه الأفكار بالواقع فتتحول من نعمة مستهدفة إلى نقمة ومحنة للطلبة وأسرهم.

والحقيقة أن هذا التناقض بين الكلام الجميل البراق للمسئولين عن التعليم، والممارسة الفعلية، لا يقتصر على هذه المعاملة الخشنة مع مئات التلاميذ الغاضبين من مشاكل المنظومة والخائفين على مستقبلهم، ولكنه تكرر كثيرا مع اتهام المسئولين لكل من انتقد أو عارض أفكار التطوير، أو طالب بإخضاعها للمزيد من الدراسة، بأنه إما «خائن أو جاهل أو مأجور».

احتجاج تلاميذ «أولى ثانوى» على مشكلات تجربة الامتحان الإلكترونى، كان فرصة عظيمة لوزارة التعليم لكى تترجم أفكارها وتصوراتها للمنظومة التعليمية التى تستهدف إخراج جيل قادر على التفكير النقدى وتكوين الرأى المستقل وقادر على النقاش البناء بعيدا عن أساليب الحفظ والتلقين، لكن للأسف تم تبديد هذه الفرصة، بهذا التعامل الخشن مع تلاميذ هم فى مرحلة الطفولة بحكم القانون.

أخيرا، فإن تلاميذ سنة «أولى ثانوى» وأسرهم يستحقون من الحكومة، بل ومن المجتمع كله التقدير والمساندة، وليس الخشونة والإساءة، لأن حظهم شاء أن يتحملوا وحدهم عبء اختبار منظومة تعليمية جديدة، قد تنجح فيستفيد منها الجميع وقد تتعثر، ويتم التراجع عنها، فلا يعانى الآخرون ما تكبده تلاميذ هذه السنة من معاناة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved