«الاختيار».. ملحمة الشرف والرجولة

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 22 مايو 2020 - 6:10 م بتوقيت القاهرة

ــ1ــ
بالتأكيد ستظل الحلقة الـ 28 من مسلسل «الاختيار» (عرضت مساء الخميس الماضى) ماثلة فى أذهان وذاكرة ووجدان الملايين؛ الأمر هنا يتجاوز بكثير جدا أى ادعاء ساذج بالمبالغة أو «الأفورة»، إنه أكبر من أى تيار شعورى أو انفعالى جارف أو أى محاولة للمبالغة أو التهويل.
الحلقة خصصت بكاملها لعرض وقائع وتفاصيل بطولة ملحمة البرث أو المعركة الأخيرة لرجال الكتيبة 103 صاعقة بقيادة البطل الشهيد عقيد أركان حرب أحمد صابر منسى؛ التى دارت فجر يوم الجمعة السابع من يوليو عام 2017 على الارتكاز الأمنى جنوب مدينة رفح فى مربع البرث، وأسفرت عن استشهاد أبطال الكتيبة 103 ضباطا وجنودا.
وبالتأكيد لم يكن أحد يتصور رد الفعل المذهل الذى ولد هذه الحالة من الحزن الجماعى، والتوافق الجمعى الحاشد على تمجيد وتخليد هؤلاء الأبطال عقب عرض الحلقة بتوحيد صور البروفايلات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى أو كتابة أسمائهم وعرض صورهم توقيرا وإجلالا لتضحياتهم الجليلة.
ــ2ــ
يمكننى القول مع صديقى الناقد الكبير محمود عبدالشكور: إن هذه الحلقة (28) من مسلسل «الاختيار» حلقة للتاريخ، يمكن وضعها بين أفضل حلقات الدراما المصرية والعربية عبر تاريخها الطويل، حلقة «مهيبة» بكل معنى الكلمة، الفن المصرى المعتبر يخلد جيوش الشمس فى واحدة من أعظم معاركهم، ويقول لنا كيف يتحول البشر الفانون إلى أساطير.
تضافرت كل عناصر الدراما فى أعلى مستوى لها؛ إخراجا وكتابة وصورة وموسيقى؛ تصويرا وبناء ومونتاجا وإيقاعا وتنفيذا، ومزجا مبدعا بين الروائى السردى والتوثيقى التسجيلى؛ تضافرت كل تلك العناصر بإحكام لكى تصيب أهدافها بدقة ومهارة وإتقان؛ بالضبط مثل جنودنا البواسل فى مواجهاتهم البطولية ضد الإرهاب والتكفيريين وكل أعداء هذا البلد.
ــ 3 ــ
بتعبير محمود عبدالشكور، ثمة رسائل لا تحصى من قلب الموقف والصورة والصراع؛ ومنها: أن هؤلاء الجنود الشجعان البواسل ليسوا عساكر غلابة، إنما وحوش، يفضلون الموت على ترك السلاح، وليست مجرد «عمليات»، ولكنها حرب شرسة علينا، دخلت بيوتنا كلها، فوقفنا خلف ظهر الأسود، نهتف لهم، ونتمنى أن نكون معهم، ليست أبدا حربهم وحدهم، ولكنها حربنا أيضا. لقد تصور الكثيرون أنهم سيشاهدون فى الحلقة 28 بعض عساكر غلابة يحصدهم الرصاص، وتبددهم المفرقعات، فشاهدنا وحوشا وأسودا يصنعون التاريخ، بشرا حقيقيين يمثلون أنبل وأنقى وأنصع ما فى هذا البلد؛ الإيمان به والموت فى سبيله، ومواجهة العدو لا الفرار منه!
هؤلاء الجنود الأبطال الذين صورهم المسلسل فى أحوالهم الإنسانية ببساطة وصدق تحركوا أمامنا على الشاشة وتحدثوا بلكناتهم المختلفة ومن بحرى ومن قبلى؛ الشمس تلفح جباهم وتدمغهم بختم الشرف والبطولة؛ كانوا يتحركون ويمشون ويجلسون ويتحدثون بلا رتوش ولا مساحيق ولا زيادات؛ إنهم كما وصفهم ورسمهم أحمد فؤاد نجم بالضبط:
«دولا مين ودولا مين / دولا عساكر مصريين / دولا ولاد الفلاحين / دولا الورد الحر البلدى / دولا خلاصة مصر يا ولدى / دولا عيون المصريين».
ــ4ــ
ورغم كل الملاحظات التى يمكن أن توجه إلى مسلسل «الاختيار»، فى الحلقات السابقة، فإنه بالفعل سيظل علامة فارقة فى تاريخ الدراما التى تواجه الظاهرة الإرهابية وتحلل السلوك التكفيرى، ولا تكتفى بتحليله فقط، إنما أيضا وهذا هو الأهم من وجهة نظرى إيصال هذه الأفكار والرسائل إلى قطاعات واسعة من الجمهور كان منصرفا تماما ولا مباليا بأى من هذه الإشكاليات الجسيمة، وكان اجتهاد المسلسل فى ذلك بالمزج بين الشعور الوطنى والدينى والعسكرى على تفاوتات فى الأثر والنجاح من حلقة إلى أخرى؛ وإن كانت الذروة التامة من النجاح والأثر فى الحلقة الـ 28 أو (معركة ملحمة البرث).
كانت الرسالة الأهم والأكبر من الحلقة هى «علموا أولادكم ليفخروا بأبطالهم وبأوطانهم، علموهم حتى تحموهم، فالانتماء بذرة وحب الوطن فرض يرويها».
ــ5ــ
كلمتين وبس!
«ولكن الحرب يا صديقى تفرض علينا حقيقة جديدة.. عندما تسقط الأشياء الغالية التى يتفاخر بها الإنسان زمن السلم تحت قدميه فى لحظات، وعندما لا يصبح هناك شىء ذو قيمة يمكن أن يخاف عليه الإنسان.. عنذئذ يكون الوطن هو الأب والأم والابن والحبيبة.. هو كل شىء.. وأمامه تهون تلك التضحيات مهما كبر حجمها.. ويصبح لكل شىء معنى جديد لم نعتده من قبل»..
(من مذكرات جندى مصرى فى جبهة قناة السويس) للشهيد أحمد حجى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved