الحقبة السعودية!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 22 مايو 2020 - 6:05 م بتوقيت القاهرة

يبدو أن انهيار أسعار النفط، سوف يجبر السعودية على كبح جماح الإنفاق على شراء الأسلحة، الأمر الذى يفقدها الدعم غير المشروط من جانب القوى الغربية، وهو ما قد يعنى «نهاية الحقبة» التى كانت تتمتع فيها الرياض بنفوذ وسيطرة وقوة هائلة فى التأثير على توجيه وصناعة القرار فى المنطقة العربية.
التصور السابق جاء ضمن تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية الأسبوع الماضى، ونشره موقع (بى بى سى). ويرى التقرير أن المملكة تواجه أزمة غير مسبوقة فى الميزانية بسبب انهيار أسواق النفط والاضطراب الاقتصادى العالمى الناجم عن وباء كورونا المستجد(كوفيدــ 19)، الذى قلل الطلب على النفط فى المستقبل المنظور.
ويقول بروس ريدل، الباحث البارز فى مؤسسة بروكينغز بواشنطن، والذى عمل فى وكالة المخابرات المركزية لمدة 30 عاما، لـ«الجارديان»: «ليس لدىّ شك. هذه نهاية حقبة. إن عصر امتلاك الخليج كل هذه الأموال قد ولى».
الحديث عن انتهاء حقبة كانت تتمتع فيها السعودية بهذا النفوذ الهائل ــ وفق التقرير ــ يبدو أمرا متسرعا بعض الشىء، وربما يعكس توجهات أو طموحات قطر، التى تشير تقارير إلى امتلاكها نسبة كبيرة من أسهم الصحيفة البريطانية.
فالحديث عن انتهاء الحقبة السعودية، كان قد تصاعد بقوة فى أعقاب قتل وتقطيع جثة الكاتب الصحفى السعودى جمال خاشقجى، على يد فريق إعدام سعودى، بعد دخوله إلى قنصلية بلاده فى إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018.
وقتها دخل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، على الخط محاولا استغلال الأزمة لإضعاف ومحاصرة الرياض، وهو ما نجح فيه جزئيا، مستغلا تعاطف الإعلام العالمى والعديد من الدول والمنظمات مع الضحية، جراء قبح وبشاعة الجريمة التى ارتكبت فى حقه، لكن بعد فترة وجيزة، تمكنت الرياض بفضل الوفرة المالية وشبكة العلاقات التى تمتلكها، من قلب الطاولة وإنهاء هذه الأزمة ورفع السيف المسلط على عنقها، وبدا أن الخاسر الوحيد جراء ذلك كله هو الرئيس التركى الذى خرج من «المولد بلا حمص».
كانت المملكة فى أضعف حالاتها فى تلك الأزمة، وكان من الممكن تصور حدوث نهاية للحقبة السعودية، لكنها تمكنت من تخطى ذلك، والسبب قدرتها على دفع أثمان أو قرابين كبيرة للدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة.
لذلك فإن ما يذهب إليه تقرير «الجارديان»، يبدو غير قابل للتحقق على الأقل فى الوقت الراهن، وذلك لأسباب عدة منها أن المملكة تملك ثانى أكبر احتياطى للنفط فى العالم، كما تحتل المرتبة الخامسة عالميا من حيث حجم الاحتياطى من النقد الأجنبى لديها، بنحو 503.5 مليار دولار «1.89 تريليون ريال». أيضا وصلت استثمارات السعودية المباشرة فى الخارج إلى 428.12 مليار ريال (114.17 مليار دولار) فى نهاية الربع الثالث من العام الماضى.
هذه الأسباب مجتمعة تدفعنا إلى الاعتقاد، بأن السعودية لن تقلل الإنفاق على التسلح حتى فى أسوأ الظروف الاقتصادية التى تمر بها، طالما كان ذلك من العوامل المهمة التى تمنحها الحماية والتأثير والدور.
وحسب معهد ستوكهولم الدولى للسلام، فإن السعودية أنفقت حوالى 62 مليار دولار على الأسلحة العام الماضى.. فهل هذا المبلغ يمثل مشكلة حقيقية للمملكة حتى تقرر عدم إنفاقه، وبالتالى تخسر شبكة العلاقات التى تعتمد عليها فى تحقيق نفوذها السياسى بالمنطقة، وتأمين وحماية مصالحها من المخاطر والتهديدات التى تحيط بها؟ بالطبع لا.. ولو طلب منها أن تنفق أكثر من ذلك لفعلت، حتى تستمر «الحقبة السعودية».
السؤال الآن.. من سيحل محل السعودية لو طويت حقبتها؟ فى بداية الألفية الثانية، لعب المثلث المصرى السعودى السورى، دورا مهما فى توجيه دفة العمل العربى المشترك وصناعة القرار بالمنطقة، لكن مع هبوب رياح الربيع العربى، انكفأت مصر على أحوالها وهمومها، وخرجت سوريا تماما من معادلة القوة إلى مستنقع الفوضى، ولم يبق إلا الرياض التى تقود وتحدد وتصنع وتوجه القرار العربى.
فى حال غيابها عن لعب هذا الدور، فإن من سيتقدم ليحل محلها، سيكون من الدول الصغيرة ذات الوفرات المالية الهائلة، وبالتحديد الإمارات وقطر، لكنهما لن يتمكنا من أداء ذلك، لأسباب ثقافية وتاريخية وجغرافية وديموجرافية، لذا فإن المؤهل حقيقة لقيادة المنطقة كما كان الوضع فى الخمسينيات والستينيات هى مصر، شرط أن تكون لديها الرغبة فى ذلك، والقدرة على التغلب على مشكلاتها وتحدياتها.. فهل تستطيع؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved