كيفية الخروج من مأزق ٣٠ يونيو

خليل العنانى
خليل العنانى

آخر تحديث: السبت 22 يونيو 2013 - 11:29 ص بتوقيت القاهرة

منذ عدت إلى القاهرة قبل ثلاثة أسابيع ولا حديث فى الشارع السياسى إلا عن المواجهة المرتقبة بين النظام والمعارضة التى يجرى التحضير لها فى الثلاثين من يونيو الحالى. ويبدو أن كلا الفريقين يستعدان للمنازلة فى هذا اليوم، ويتعاطيان معها كما لو كانت قدرا محتوما لا فرار من مواجهته.

 

وقد غاب عن كلا الطرفين عواقب مثل هذه المواجهة وما يمكن أن تؤدى إليه من عنف وصدامات دامية قد يذهب ضحيتها العشرات. فعلى مدى الأسبوعين الماضيين امتلأ الفضاء الإعلامى والسياسى بلغة العنف والكراهية بشكل غير مسبوق، ومن المتوقع أن تزداد هذه اللغة التسخينية خلال الأيام المقبلة ما يعنى تزايد احتمالات العنف والقتل بسبب الاختلاف السياسى.

 

يعرف الغربيون السياسة بأنها «كيفية توزيع القوة والنفوذ بمجتمع ما» فى حين يعرفها فقهاء المسلمين بأنها «حسن التدبير فى الشأن العام» وذلك مثلما ورد على لسان عمرو بن العاص حين أراد أن يبرر لأبى موسى الأشعرى ما فعله يوم التحكيم وانحيازه لمعاوية على حساب على فقال: «إنى وجدته (أى معاوية) ولى عثمان الخليفة المظلوم، والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير».

 

وقد فات عن سياسيينا كلا المعنيين، فالحكم يحاول الاستئثار بالسلطة والقوة والنفوذ دون شراكة حقيقية من أحد، فى حين يرفض المعارضون الجلوس مع السلطة من أجل تدبير الشأن العام للمصريين بعد الثورة. والأنكى من ذلك هو غياب الأطراف والكتل الوسيطة التى يمكنها أن تقوم بتهدئة الأجواء بين الإخوان والمعارضة فى بلد بات الانحياز فيه لأحد الطرفين هو الأصل والحياد هو الاستثناء.

 

●●●

 

فى ظل هذه الأجواء المشحونة التى يغذيها رجال النظام القديم بكل قوة، يصبح الحديث عن حلول للأزمة الراهنة بمثابة مغامرة ليس فقط لأن كلا الطرفين لا يريدان أن يسمعا لأى طرف آخر وإنما أيضا لعدم استعدادهما لقبول أية مبادرة يمكنها نزع فتيل الأزمة.

 

السؤال الآن هو: ما العمل للخروج من مأزق ٣٠ يونيو وما الحلول التى يمكن تقديمها من أجل عدم تكرار مشاهد القتل بين مصريين أولا وأخيرا بغض النظر عن انتمائهم السياسى؟

 

باعتقادى أن ثمة مخرجين لا ثالث لهما من الأزمة الراهنة، أحدهما مثالى والآخر واقعى. أما المخرج المثالى فهو أن يتنازل أحد الطرفين للآخر كبادرة «حسن نية» مقابل أن يلتزم الطرف الآخر بتنفيذ مطالب الطرف الأول. هذا المخرج أو الحل ليس واردا فى ظل قناعة كل طرف بأنه سوف يحقق فوزا مبينا فى الثلاثين من يونيو وهو أمر أبعد ما يكون عن الصحة.

 

أما الحل الواقعى، وليس بالضرورة الممكن تحقيقه، فهو أن يحتكم الطرفان إلى جهة ثالثة تحظى بالثقة، ويمكنها أن تدير حوارا ناجعا يفضى فى النهاية إلى وثيقة أشبه بخارطة طريق يجرى الالتزام بها والتوقيع عليها من كلا الطرفين. وفى ظل انهيار الثقة فى مختلف المؤسسات بدءا من الإعلام وانتهاء بالقضاء، فإن الجهة الوحيدة التى تحظى نسبيا بثقة الطرفين، وكذلك الشعب المصرى هى المؤسسة العسكرية.

 

وقبل أن يتهمنا أحدا بالترويج للعسكر أو محاولة إقحامهم فى الشأن السياسى فإن ما نقصده هنا هو أن تلعب المؤسسة العسكرية دور الوسيط  mediator بين المتخاصمين وليس دور الشريك partener فى إدارة شئون الحكم.

 

وهو بالمناسبة أمر ليس بدعا ففى كثير من حالات التحول الديمقراطى لعب العسكر دور الوسيط بين الفرقاء السياسيين مثلما حدث فى كثير من دول أمريكا اللاتينية، وهو أيضا ما حصل بشكل غير مباشر فى الحالة التونسية بعد الثورة حين لعب الجنرال رشيد عمار قائد أركان الجيش التونسى دورا مهما فى حث الإسلاميين والعلمانيين على التوافق.

 

●●●

 

باعتقادى أن أى خارطة طريق تتم من خلال وساطة المؤسسة العسكرية لابد أن تشمل عدة مطالب أساسية من أجل نزع فتيل الأزمة الراهنة من أهمها بقاء الرئيس مرسى فى السلطة حتى نهاية مدته الرئاسية، إعادة تشكيل الحكومة لتكون تحت رئاسة إحدى الشخصيات المعارضة أو المحايدة، تشكيل لجنة لإعادة النظر فى المواد الخلافية بالدستور، عدم إصدار أية قوانين من مجلس الشورى إلا بالتوافق بين القوى السياسية، وقف حملات التعبئة والتجييش والكراهية بين الطرفين.

 

قطعا لابد من أن تتوافر ضمانات لتنفيذ مثل هذه المطالب، ولعل أهم هذه الضمانات هو الاحتكام لقواعد وآليات الديمقراطية وهى الصناديق.

 

من المفارقات أن مثل هذا المخرج الواقعى لا يبدو ممكنا على الأقل قبل الثلاثين من يونيو وذلك لأسباب كثيرة تتعلق بطبيعة الطرفين المتخاصمين. فالنظام لا يزال يتوجس من المؤسسة العسكرية ويخشى أن يكون إشراكها فى أى نوع من الوساطة مع المعارضة بمثابة تمهيد لدور سياسى أكبر وربما يظهر الرئيس مرسى كما لو كان ضعيفا. فى حين أن المعارضة تأمل أن يلعب الجيش دورا أكبر من مجرد الوساطة وربما الإحلال محل الرئيس مرسى وجماعته. فى حين يظل السؤال حول رغبة المؤسسة العسكرية فى القيام بهذا الدور محل شك كبير.

 

ولكن إذا افترضنا أن الأزمة استمرت حتى الثلاثين من يونيو ووقع المحظور وسقط أبرياء، فإنه لن يكون هناك مخرج سوى تدخل المؤسسة العسكرية قسرا من أجل فرض النظام وحماية الدولة من الانهيار مثلما حدث فى ٢٥ يناير. وحينها سوف ندخل مجددا فى نفس الدائرة الجهنمية التى دخلنا فيها بعد الثورة والتى أدت إلى كثير من اللغط والجدل الذى لا نزال نعيش آثاره حتى اليوم.

 

لقد أخطأ الإخوان ومعارضيهم حين ظنوا أن الثورة هى بمثابة مشروعهم الخاص للحصول على مغانم السلطة فى مرحلة ما بعد مبارك، وقد نسوا أنهم كانوا آخر من لحق بقطار الثورة، لذا فهم يتحملون مسئولية أى نقطة دم سوف تسقط فى الثلاثين من يونيو وحينها ستسقط عنهم أى مشروعية سياسية أو أخلاقية.

 

 

 

باحث ومحاضر بجامعة دورهام ــ بريطانيا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved