تيران مصرية والحكومة غائبة

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 22 يونيو 2016 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

أخطر ما جاء فى حيثيات حكم القضاء الإدارى بشأن «مشروع اتفاقية تيران وصنافير» ليس القول إن الجزيرتين مصريتان، لأن مصريتهما لا تحتاج إلى حكم قضائى يؤكدها لأنها مؤكدة بحكم التاريخ والجغرافيا، وإنما ما كشفه عن تهاون الحكومة فى التعامل مع هذه القضية التى تتعلق بالأرض التى هى «عرض المصريين».


المستشار يحيى دكرورى رئيس الدائرة الأولى فى محكمة القضاء الإدارى قال فى حيثياته إن «جهة الإدارة المدعى عليها (الحكومة) غيبت نفسها عن الدفاع الموضوعى عن الاتفاق الذى وقعت عليه واعتصمت بالصمت فى هذا المجال وتمترست خلف الدفع الذى ابدته لمنع المحكمة من سماع الدعوى (عدم اختصاص المحكمة بنظرها).

وإذا كان من الجائز للأفراد أن يلجأوا إلى حيل الدفاع يلتمسون من ورائها مصلحتهم الشخصية فإنه لا يليق بجهة الإدارة لأنها لا تقوم على شأن شخصى ويتعين أن يكون رائدها الصالح العام فى كل عمل تأتيه حين تختصم أو تختصم أمام القضاء، لا سيما حين يتعلق النزاع بشان وطنى ويتصل بتراب الوطن، وهو ما كان يستوجب الهمة فى الدفاع لإظهار الحقيقة أمام محكمة مصرية هى جزء من السلطة الوطنية وأمام شعب مصر صاحب السيادة».



هذه الفقرة من الحيثيات التى كان الزميل محمد نابليون أول من نشرها على موقع «الشروق» تكفى لإقالة هذه الحكومة بعدما أكدت ليس فقط فشلها فى الدفاع عن مشروع هذه الاتفاقية الخطيرة، وإنما لأنها لم تسع إلى مساعدة المحكمة فى الوصول إلى الحقيقة التى تهم الشعب كله.



الحكومة تحصنت وراء دفع إجرائى لا قيمة له من الناحية الموضوعية يتعلق بمدى ولاية المحكمة على هذه الدعوى، فكانت كالمجرم الذى تم ضبطه متلبسا بجريمته، التى ارتكبها مع سبق الإصرار والترصد فلم يكن أمام محاميه إلا البحث عن ثغرة فى الإجراءات تضمن له البراءة أمام القانون لكنها لن تبرؤه أمام الشعب.



لم تقدم الحكومة المستندات والوثائق التى ادعت أنها تثبت سعودية الجزيرتين، وتبرر التخلى عنهما، وهذا يعنى إما أنها لا تملك هذه الوثائق من الأساس وتخلت عن الجزيرتين استنادا إلى حسابات سياسية ودبلوماسية آنية أكثر مما استندت إلى وثائق التاريخ وحقائق الجغرافيا، أو أنها لا تقيم للقضاء ولا لحق الشعب فى الوصول إلى الحقيقة فى هذه القضية المصيرية وزنا. وكلا الاحتمالان كاف للمطالبة بإقالة هذه الحكومة الفاشلة.


وقد كان الأولى بالحكومة أن تسجل حقها فى الدفع بعدم اختصاص المحكمة ثم تتخلى عنه وتتمسك بمواصلة نظرها وتقدم كل ما لديها من وثائق ومستندات يؤكد سلامة موقفها من الجزيرتين، فتتأكد صحة قرارها بحكم قضائى موضوعى، وليس بحكم شكلى لا يضمن لها براءة أمام الشعب.


لذلك فحتى إذا ألغت المحكمة الإدارية العليا حكم المستشار دكرورى استنادا إلى «مبدأ عدم الاختصاص»، فلن يعنى هذا براءة الحكومة من تهمة التخلى عن أرض مصرية لأنها ببساطة لم تقدم ما يثبت سعودية الجزيرتين؛ فى حين قدم أصحاب الدعوى تلالا من الوثائق والخرائط والمستندات التى تؤكد مصريتهما.


أخيرا أقول إنه لا توجد أى مشكلة فى إلغاء «مسودة الاتفاقية»، التى تم توقيعها مع السعودية الشقيقة لآن ما جرى فى القاهرة يوم 9 أبريل الماضى كان مجرد توقيع مبدئى على «مشروع اتفاقية» لا يتحول إلى معاهدة ملزمة إلا بعد عرضها على البرلمان، الذى يملك حق قبولها أو رفضها دون أن يسىء للعلاقات المصرية السعودية كما تردد الميليشيات الإعلامية والسياسية الموالية للسلطة.


رفض القضاء لمشروع الاتفاقية أو رفض البرلمان له ليس بدعة فى عالم العلاقات الدولية، بل إنه من طبائع الأمور فيه، لذلك فحديث البعض عن مشكلات متوقعة بين القاهرة والرياض بسبب إلغاء مشروع الاتفاقية هو كلام ينم إما عن جهل بالقواعد الدولية أو عن محاولة انتهازية للترويج لموقف معين أو عن الاثنين معا وهو أقرب الاحتمالات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved