هل من مستقبل للإسلام السياسى فى مصر بعد ثورة 30 يونيو؟

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 22 يوليه 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يحتدم النقاش فى مصر الآن حول مستقبل تنظيمات الإسلام السياسى فيها بعد أن أطاحت الثورة الشعبية فى 30 يونيو بحكم جماعة الإخوان المسلمين. فريق غالب من المثقفين يرى ضرورة حظر هذه التنظيمات تماما بعد أن ثبت خواء خطابها السياسى وتلاعبها بالدين للوصول إلى سلطة الحكم والاحتفاظ بها. والخطاب الرسمى يرفض الإقصاء ويدعو إلى تعاون كل القوى السياسية فى بناء الوطن. ورئيس الوزراء الجديد أعلن أنه عرض على الإخوان المسلمين وحزب النور مناصب وزارية، ولكن قوبل اقتراحه بالرفض من جانبهما لأسباب مختلفة. ولكن ليس من الواضح إذا كانت النية هى عدم الإقصاء، فهل يعود النظام السياسى المصرى إلى أوضاع ما قبل 30 يونيو، أم أن عدم الإقصاء له شروطه.

ليس هناك شك فى أن تلك واحدة من أخطر التحديات التى تواجه الأوضاع الجديدة فى مصر، بل إن الإجابة عن هذا السؤال هو الذى يحدد إمكانية النجاح فى الانتقال إلى أوضاع أكثر ديمقراطية فى مصر، ليس لأن إجراءات 3 يوليو أطاحت بنظام ديمقراطى كما يحلو لبعض المتحذلقين أنصار الإخوان أن يصوروا هذه المسألة، ولكن لأن إقصاء فصيل سياسى بهذا الحجم من العملية السياسية يتنافى مع أبسط شروط الديمقراطية التى تفتح الباب للمشاركة أمام الجميع بدون تمييز، كما أن بقاء هذا الفصيل على نفس أفكاره وممارساته باستغلال الدين للوصول إلى السلطة قد يهدد بعودة الأوضاع إلى ما كانت علبه قبل 30 يونيو وهو وصول فريق لا يتمتع بأى أهلية للحكم إلى قمة السلطة فى مصر واستمرار تدهور الأوضاع فى جميع المجالات على نحو يؤدى إلى تكرار سيناريو 30 يونيو. فما هو المخرج إذن؟

حجج الرافضين لعودة الإخوان

حجج الرافضين لعودة الإخوان إلى المسرح السياسى بجمعيتهم وحزبهم وكل أنشطتهم الاجتماعية عديدة، وهى مستمدة من تجربة الإخوان فى الحكم، منها أن الخلط بين الدين والسياسة كانت له عواقب خطيرة، فى مقدمتها أن كل خلاف سياسى مع جماعة الإخوان المسلمين أو أى فصيل آخر للإسلام السياسى كحزب النور أو البناء والتنمية أصبح يصور على أنه خلاف مع صحيح الإسلام، كانت البداية هى معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتى سميت بغزوة الصناديق، وآخرها هو الخلاف حول ما جرى منذ 30 يونيو. خطاب رابعة العدوية يصور أنصار تلك الإجراءات على أنهم أعداء للإسلام إذا قتلوا فهم فى النار، ثم يمتد خطاب التكفير ليشمل الشيعة، وبعد قليل المسيحيين، ولا أظن أن شيخ الأزهر بعيد عنه، بل وقد ينسحب فيما بعد على المخالفين للرأى داخل فصائل الإسلام السياسى ذاتها، وثانى هذه الحجج أن ثنائية الحكم، بل قل إن وجود حكومة خفية حقيقية غير منتخبة تتمثل فى مكتب الإرشاد ورئيس منتخب هو مجرد ألعوبة فى يدها لا يتفق مع مبادئ النظام الديمقراطى، الرئيس المنتخب لا يملك القوة اللازمة لاتخاذ القرار، والذى يملك صنع القرار هو غير مسئول أمام الشعب، وثالث هذه الحجج أن استثناء جماعة بعينها من الخضوع للقانون بالسماح لها وحدها بالعمل السياسى ينسف أسس دولة القانون التى تقتضى أن يكون الجميع أمام القانون سواء.

حجج الداعين  لبقاء فصائل الإسلام السياسى

أما الداعون لبقاء فصائل الإسلام السياسى من غير الإسلاميين، فهى أنه من الصعب تجاهل أن هذه الفصائل تحظى، ولاتزال، بتأييد قسم كبير من المواطنين لا ينبغى حرمانهم من حقهم المشروع فى المشاركة السياسية، وأنه قد ثبت عمليا استحالة إلغاء وجود هذه الفصائل، فقد تمرس بعضها على العمل السرى تحت الأرض، ولم ينجح أى نظام سياسى فى مصر منذ العهد الملكى فى اقتلاعهم، بينما يمارس البعض الآخر منهم «التقية» مثل السلفيين الذين ادعوا عزوفهم عن النشاط السياسى ثم فاجأوا الجميع بنجاحهم فى الحصول على نسبة عالية من الأصوات فى انتخابات 2011/2012. وأخيرًا فإن حظر النشاط العلنى لفصائل الإسلام السياسى قد يغرى بعضها باللجوء للعمل المسلح وهو ما نرى بوادره بالفعل فى سيناء، ونخشى أن يمتد إلى باقى أنحاء الوطن.

كيف تبقى فصائل الإسلام السياسى طرفا فى العملية السياسية؟

يشارك كاتب هذه السطور هذه المخاوف من عواقب حظر النشاط العلنى لفصائل الإسلام السياسى، كما يستبعد أيضا أن تعود هذه الفصائل لممارسة نشاطها فى ظل نفس الأوضاع التى سادت قبل 30 يونيو. ولذلك فمن المفيد التفكير فى الشروط التى تكفل وجود هذه الفصائل وفى نفس الوقت توقى مثالب ممارساتها التى أفضت إلى ثورة 30 يونيو.

المبدأ الذى يحكم الانتقال إلى هذه الأوضاع الجديدة هو ضرورة الفصل بين العمل السياسى والدين، فالخلط بينهما هو الذى أفضى بمصر إلى هذا الحال من الغضب الشعبى وعدم الاستقرار وتدهور الأداء الحكومى. يستتبع ذلك أن تخضع جماعة الإخوان المسلمين لقانون الجمعيات الذى يحظر عليها ممارسة العمل السياسى أو تلقى أموال من الخارج. ومن ثم لا يجوز لها لا أن تتقدم بمرشحين فى أى انتخابات، ولا أن تقدم لهم تمويلا، ولا أن تساندهم فى حملاتهم الانتخابية، ولا أن تكون طرفا يقدم المشورة المستمرة لرئيس الدولة أو غيره من كبار المسئولين. ومن ثم تبقى مهامها مقصورة على العمل الدعوى. وإذا كان من المقبول أن تكون هناك أحزاب تستند إلى مرجعية دينية، فإن هذه الأحزاب يجب أن تعلن التزامها أيضا قولا وفعلا بمواثيق حقوق الإنسان التى صدقت عليها الحكومة المصرية، وفى مقدمتها العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وهى التى ترفض التمييز بين المواطنين على أى أساس وتلزم من يمارس حرية الرأى بألا يستخدم هذه الرخصة فى إثارة الكراهية ضد آخرين أو أن يدعو إلى استخدام العنف ضدهم. كما يجب أن يحظر القانون استخدام دور العبادة فى العمل السياسى بالدعوة من خلالها لتأييد حزب معين أو معارضة حزب آخر، كما يجب تشديد العقوبة على من يرتكب جرائم طائفية وعلى المسئولين الذين يتغاضون عن محاسبة مرتكبى هذه الجرائم.

أعرف أن الكثيرين لن يكونوا راضين عن هذه الآراء سواء من خصوم الإسلام السياسى أو من أنصاره، ولكن التحدى الذى نواجهه اليوم بهذا الانقسام الذى لم ينتقل حتى الآن إلى حرب أهلية يقتضى منا الارتفاع فوق الخصومات السياسية لنرى مصلحة الوطن على المدى البعيد. والتحدى أكبر لفصائل الإسلام السياسى التى عليها أن تدرك خطورة المأزق الذى تواجهه بالرفض المطلق لها من قطاعات واسعة ومتنوعة من المواطنين، وضرورة تكيفها مع واقع جديد أخفقت فى الاعتراف به والتعامل معه. ولكن التعامل الذكى مع هذا الواقع هو وحده الذى سيكفل لها الاستمرار والبناء.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved