المعارك الصغيرة

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 22 يوليه 2015 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة

أعرف أن الإعلام يعانى أيام العطلات الرسمية من غياب المادة الخبرية، مما يضطره إلى الاهتمام بقضايا صغيرة لضمان استمرار التشغيل. ولكن استدعاء المعارك الصغيرة، ونسج الجدل حولها، والتركيز المفرط عليها يعطى انطباعا سيئا عن المجتمع برمته، الذى تعتصره مشكلات جمة، ويبعث برسائل سلبية للجمهور العام.

من نماذج المعارك الصغيرة ما أثير بشأن بيان أصدرته الدكتورة ناهد العشرى وزيرة القوى العاملة، يتناول حياتها الخاصة، وأسلوبها فى قضاء عيد الفطر، اختيارها للطعام، وبراعتها فى الطهى بوصفها «سيدة بيت» بجانب كونها وزيرة، ونوعية الأكلات التى تروق لزوجها، وهو حديث فى مجمله «خاص» لا يهم الجمهور العام فى شىء، وما كان لها أن تخوض فى هذه المسألة، التى صادفت نقدا إعلاميا مكثفا لاعتبارات التشغيل الإعلامى فى أيام عطلة العيد الممتدة. التقاليد الديمقراطية تشير إلى أن الحياة الخاصة للمسئول السياسى تخصه، ما لم يكن لها تأثير على قراراته، ومسار عمله، هنا تنتفى الخصوصية، ويحق للمجتمع أن يطلع عليها. ما عدا ذلك فهو حياة الشخص الخاصة التى لها حرمتها. فى مناسبات عديدة تشكو الشخصيات العامة تتبع الإعلام لحياتهم الخاصة، ولكن الحالة التى نحن بصددها هى قيام مسئول سياسى بالتبرع للإعلام بإطلاعه على جانب من حياته الخاصة لا يهم أحدا، ولا يشكل فى ذاته علامة تميز له، لأن المجتمع ينتظر نتائج عمله لا سلوكه فى المنزل.

وما كادت معركة وزيرة القوى العاملة تخمد، حتى ظهرت معركة صغيرة أخرى هى مباراة فريقى الأهلى والزمالك، التى أحيط بها لغط وجدل حول مكانها، رافقها تلاسن على مستوى قيادة الفريقين، وتعبئة وحشد فى غير موضوعه، وفى غير الظروف التى تمر بها البلد. مرة أخرى نجد الإعلام، ليس فقط الرياضى، ولكن البرامج العامة، وتغطيات الصحف، والأنباء التى تنشرها مواقع الانترنت تتبع الحدث بكثافة تظهر خواء، وفراغا غريبا، وكأن معارك الوطن انحصرت فى مباراة كرة قدم، لها جمهورها بالطبع، لكنها فى النهاية منافسة رياضية أيا كانت نتيجتها لن تؤثر فى اقتصاد أو سياسة الوطن.

المعارك الصغيرة صممت لسد الفراغ الإعلامى، وإلهاء جمهور يبحث عن موضوعات يشغل بها باله، ويجد فيها مادة للكلام، وهى تناسب مجتمعات راكدة، وليست راكضة نحو التغيير والتقدم. هنا ينبغى أن نقف أمام ملاحظة أساسية: أن الإعلام لم يواكب التغيير فى المجتمع منذ ثورة 25 يناير 2011 إلى الآن. فى لحظات الزخم السياسى انصب الإعلام على قصص الفساد، والمعارك بين الساسة، والتلاسن بين المتصدرين للمشهد العام، وفى لحظات أخرى أقل دسما من الناحية السياسية يركز على معارك صغيرة، وهو فى الحالتين لم يقدم للوطن نافذة حقيقية يناقش من خلالها قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإصلاح جهاز الدولة، وطرح الأفكار النيرة لتطوير القدرات العامة التى تلائم المجتمعات التى تسعى للتغيير والتقدم. أطراف كثيرة يبدو أن لها رغبة ما فى أن يكون الإعلام على هذه الحالة، ولكن الخاسر هو المواطن الذى يزداد تشوشا، وقلقا، وضبابية فى النظرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved