الملائكة.. والسلطان!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 22 يوليه 2016 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

أعاد الحدث التركى الأخير، المتمثل فى محاولة الانقلاب العسكرى الفاشل، الذى قام به مجموعة من الضباط والجنود المتمردين، وما تلا ذلك من تداعيات كثيرة، أهمها عمليات التطهير والاعتقال والفصل من الوظيفة، لمعارضى وخصوم الرئيس رجب طيب أردوغان، تسليط الضوء مجددا على اشكالية بنيوية مزمنة فى تكفير وممارسات جماعة الإخوان، تتمثل فى خلط الدين بالسياسة فى لحظات «الانتصار والانكسار».

هذه الإشكالية التى يتم استدعاؤها فى أوقات الأزمات، لا تقتصر على فرع معين للجماعة فى بلد بعينه، وانما هى سمة أساسية لجميع فروعها المنتشرة فى العديد من الأقطار، ولا يمكننا استثناء سوى فرع واحد لها من هذه«الحالة المرضية»، وهو «إخوان تونس»، الذين لم يسقطوا فى هذا الفخ ــ حتى الآن ــ رغم اللحظات الصعبة التى واجهوها اثناء تواجدهم القصير على كرسى السلطة فى مقتبل فترة الربيع العربى.

ففى الوقت الذى كان العالم، يتابع فيه «صوت وصورة» ما يحدث على الأرض التركية، وتأكده بما لا يدع مجالا للشك، أن من تصدى لهذا الانقلاب هو الشعب والأحزاب والقيادات العليا للجيش والقوات الخاصة التركية، كان للشيخ يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، والزعيم الروحى للإخوان رأى آخر.

القرضاوى قال فى رسالة مسجلة لأردوغان بعد فشل الانقلاب: «الله معك وشعوب العرب والمسلمين معك، وكل الأحرار فى العالم معك، ونحن علماء الأمة الإسلامية فى المشارق والمغارب معك.. وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير».

ربما نتفهم قول الشيخ إن الشعوب والاحرار كانوا مع أردوغان فى هذه المحنة، رغم ما يحتويه ذلك من مبالغة شديدة لا دليل لها على أرض الواقع، لكننا لا نستطيع تفهم حديثه عن أن الملائكة وقفوا إلى جانبه ودعموه فى صراعه على السلطة مع المتمردين.

لم يختلف حديث القرضاوى عن دعم الملائكة وجبريل لأردوغان، عن تلك الخزعبلات التى كانت تتردد بكثرة على منصة رابعة، وتحديدا تلك التى قال فيها قيادى بالجماعة إن أحد الأشخاص رأى رؤية بها الرسول «صلى الله عليه وسلم»، والرئيس الأسبق محمد مرسى وبعض الحضور، مضيفا «حان وقت الصلاة فقدم الناس الرسول»، فقال لهم «بل يصلى بكم الرئيس محمد مرسى».

أيها الشيخ.. لماذ تبخس حق الشعب التركى الذى تصدى لهذه المحاولة؟، ولماذا تتغافل عن ذكر ان القوات الخاصة التركية التى يرتدى عناصرها الجينز والستر الواقية من الرصاص، كان لها الدور الأبرز فى اجهاض الإنقلاب؟.. يا صاحب الفضيلة.. سيدنا جبريل قائد الملائكة وحامل رسالات رب العزة إلى رسله، وكذلك الملائكة جميعا لم يدعموا السلطان أردوغان ضد خصومه!!.

الحقيقة أن القرضاوى لم يكن وحده، من لجأ إلى هذا الخلط المتعمد للدينى بالسياسى، فقد ذكر موقع «وورلد نيوز» المختص بالشأن التركى، أن مفتى أنقرة الشيخ مفعل هزلى زعم أنه رأى فى المنام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يوصى الشعب التركى بالرئيس التركى، وهو ما دفع الشيخ مظهر شاهين، إمام مسجد عمر مكرم، إلى الرد على ذلك بسؤال منطقى جدا، وهو:« إشمعنا الرسول ما بيروحش فى المنام غير للإخوان والمؤيدين لهم؟».

هذا الخلط المجحف للدين بالسياسة، يمثل إساءة حقيقية لهذه الرسالة السماوية، ولايعدو عن كونه تجارة رخيصة بالدين، لا تختلف كثيرا عن أى تجارة غير شرعية، كما انه يكشف لنا الوجه الحقيقى لجماعة الإخوان، ويسقط عنها ورقة التوت التى سترتها فى بداية الربيع العربى، وجعلت الشعوب العربية والمجتمع الدولى يصدقون أنها تعبر عن جوهر الإسلام المعتدل، المؤمن بالديمقراطية والتعددية والحرية، إذ إنها عند لحظة الاختبار تجنح سريعا إلى التشدد والتطرف المتأصل فى بنيانها الفكرى، وترى نفسها الجماعة الربانية التى يؤيدها الرسول الكريم والملائكة، ومن ثم فإن من يخالفها الرأى أو يخرج ضدها، لا يعدو عن كونه خائنا أو مرتدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved