بعد قانون الجمعيات.. كيف نفتح صفحة جديدة مع المجتمع المدنى؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 22 يوليه 2019 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

بمقدورنا أن نعتبر صدور قانون جديد للمنظمات الأهلية نهاية المطاف لمشكلة أثارت لغطا كبيرا فى الداخل والخارج ونكتفى بتهنئة أنفسنا بتجاوزها. ولكن بإمكاننا أيضا أن نعتبره خطوة أولى تستهدف فتح صفحة جديدة مع المجتمع المدنى واستعادة الثقة المفقودة بينه وبين الدولة وعندئذ لا يكفى الاحتفاء بالقانون بل يلزم اتخاذ باقى الخطوات المطلوبة لإعادة النشاط والفاعلية للنشاط الأهلى.

شخصيا فقد أشدت الأسبوع الماضى بالقانون الجديد وبجهد وزارة التضامن الاجتماعى فى إعداده وإدارة حوار مجتمعى ناجح حوله وبالذين شاركوا وتفاعلوا معه. والحاقا بذلك فأحب أن أنوه باتصال تلقيته من السيدة/ غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى ردا على التحفظات التى أبديتها على القانون، حيث وضحت أن الغرامات الواردة بالقانون جرى تخفيضها أثناء المناقشات البرلمانية، وأن التخوف بشأن مواصفات مقار الجمعيات ليس فى محله لأن القانون الجديد يشترط أن يكون المقر ملائما وليس بالضرورة مستقلا كما كانت الحال من قبل، وأن إلزام المنظمات الأهلية بالحصول على تراخيص إضافية لمزاولة أنشطتها يتعلق بتلك الأنشطة التى تحتاج لموافقة جهات رقابية متخصصة مثل موافقة وزارة الصحة على إنشاء مستوصفات وعيادات أو وزارة التعليم على إنشاء مدارس وهكذا. والشكر واجب للسيدة الوزيرة لحرصها على التعقيب والتوضيح.

ولكن إن كان الهدف من إصدار القانون الجديد هو فتح صفحة جديدة مع المجتمع المدنى، كما أتمنى، فإن على الدولة أن تبادر بثلاث خطوات تالية:

الخطوة الأولى أن تستمر وزارة التضامن الاجتماعى فى اشراك المجتمع المدنى فى التشاور بشأن اللائحة التنفيذية للقانون الجديد والقرارات الأخرى المطلوبة لتنفيذه. لقد أحسنت الوزارة بعقد حوار مجتمعى جاد أثناء اعداد القانون، وارى أنه أثمر تعديلات وتحسينات عديدة. وبنفس الروح فإن المجتمع المدنى يجب أن يكون مشاركا فى اعداد اللائحة التنفيذية، وهو ما وعدت به السيدة الوزيرة فى أكثر من مناسبة كما أكدته فى تعقيبها على مقالى السابق، وهذا موقف محمود أتمنى أن تقتدى به الدولة فى غير ذلك من الأمور. وبالمثل فإن على المجتمع المدنى أن يكون مستعدا للمشاركة ومستعدا للتفاوض والتوصل لحلول تناسب كل الأطراف.

أما الخطوة الثانية فهى اعادة الاعتبار للعمل الأهلى والتطوعى بوجه عام والحد من التوجس السائد داخل أجهزة الدولة تجاه المجتمع المدنى. ومع أن القانون الجديد يتضمن بعض النصوص الخاصة بتشجيع وحماية العمل التطوعى إلا أن هذا موضوع يتجاوز القانون كما يتجاوز وزارة التضامن الاجتماعى لأنه يحتاج قرارا سياسيا على أعلى المستويات كما يحتاج لقناعة حقيقية فى المؤسسات والاجهزة الحكومية بأن المجتمع المدنى هو الشريك الثالث ــ مع الدولة والقطاع الخاص ــ فى عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن تحجيم نشاطه وتقييد حركته يحرم الملايين من خدماته، وأن الحماية الاجتماعية للمواطنين لا تتحقق ببرامج الدولة ومعاشاتها ودعمها فقط بل بما تقدمه المنظمات الأهلية من مساندة لمختلف فئات الشعب.

وأخيرا فإن الخطوة الثالثة هى حفظ القضايا الجارية والتحقيقات المفتوحة ضد المنظمات الأهلية والقائمين عليها والعفو عن المحبوسين منهم بموجب قوانين تعدلت وثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها كانت جائرة ولم تحقق لا صالح الوطن ولا أمن البلاد. أما ابقاء سيف التحقيقات والقضايا القديمة معلقا على رقاب العاملين فى النشاط الأهلى فى الوقت الذى نحتفى به بالقانون الجديد فيتعارض مع المنطق ومع مبادئ العدالة والإنصاف كما أنه ينتقص من مصداقية الدولة فى سعيها لتهيئة مناخ صحى وطبيعى للنشاط الأهلى.

القانون الجديد خطوة إيجابية لأنه استجاب لأهم أربعة مطالب للمجتمع المدنى: العودة لنظام تأسيس الجمعيات بالاخطار، واعتبار طلب الحصول على التمويل مقبولا إذا لم ترفضه وزارة التضامن خلال ستين يوما، واعادة الاختصاص بالرقابة على الجمعيات لاجهزة الوزارة، وإلغاء عقوبة الحبس اكتفاء بالغرامات المالية. ولكن صدوره ليس نهاية المطاف بل يجب أن تلحقه خطوات تالية لمزيد من الحوار والتعاون بين الدولة والمجتمع المدنى، ولبناء الثقة بينهما وانهاء حالة التوجس تجاه النشاط الأهلى السائدة منذ عقود طويلة، ولرفع الظلم عن المحبوسين والجارى التحقيق معهم وفقا لوضع قانونى سابق نأمل أن تكون صفحته قد طويت.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved