يوليو والهجوم على ناصر

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 22 يوليه 2019 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

اليوم تحل الذكرى السابعة والستون لثورة 23 يوليو 1952، وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات تبقى الثورة الأم التى لا ينكر إلا جاحد مقدار التحولات الكبرى التى أحدثتها فى حياة المصريين، وإن أخفقت فى بعض المحطات فى تحقيق حلم الحرية والاستقلال الوطنى، إلا أن يوليو ستظل الفعل الأبرز فى مسيرة العمل الوطنى وإن كره الكارهون للثورة وزعيمها جمال عبدالناصر.
ولأن ثورة يوليو ليست حدثا عابرا فى تاريخ مصر، نجد منطقيا أن يتفجر الجدل عاما وراء الآخر، وأن يفتح النقاش العام والخاص حول ما أنجزته الثورة، وما فشلت فى تحقيقه، وأن يظل السؤال الأكثر تداولا: ماذا بقى من تلك الثورة التى يحاول البعض طمس ما قدمته لهذا الوطن من بعث للحياة عندما تكالب على مصر كل فاسد، وطامح فى نهب ثرواتها، ومن سعوا لبقاء المصريين يكابدون الآثار الكارثية لمجتمع النصف فى المائة؟!
شكلت ثورة يوليو نقطة فارقة بين ما قبلها وما بعدها فى نهر الحياة المصرية، وتمكنت من إحداث نقلة هائلة فى العلاقات المجتمعية التى ظلت مستقرة لمئات السنين رغم الجور والإجحاف الذى عانى منه غالبية أبناء الشعب المصرى الذين تقلب على حكم بلادهم حفنة من الأجانب تحت مسميات شتى، «مماليك وولاه، وسلاطين وملوك» تحت إمرة من يجلسون فى الباب العالى فى اسطنبول أو يخدمون فى بلاط صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمى!!
لأول مرة منذ عهد الفراعين العظام، يعتلى سدة الحكم من تضرب جذوره فى عمق التربة المصرية، ومن جسد حلم السواد الأعظم من أبناء مصر فى الحرية والاستقلال، وإعادة توزيع الثروة بما يجنب الحفاة العراة الفقر والمرض، وهى المعضلة التى فشلت الحكومات المتعاقبة قبل ثورة يوليو فى تجاوز سلبياتها على الرغم من تضمينها خطابات التكليف من المليك!
وبينما كان يرتع الملك فاروق فى ملذاته ولياليه الماجنة، كان ابناء مصر تنهشهم الأمراض الفتاكة، وتلهب ظهورهم سياط الظلم والاستعباد، وكأنهم عبيد احسانات من جاءوا إلى المحروسة لا يملكون من أمرهم شيئا سوى طموح النهب والاستبداد، فكان أمرا حتميا أن يأتى اليوم الذى يثور فيه المصرى، مطالبا بالحياة التى تليق بشعب كريم.
هذا هو الواقع الذى اندلعت ثورة يوليو للقضاء عليه، وإن حاول الحاقدون والمعادون للثورة، وإن حمل بعضهم قلما، أو لقبا علميا يخدع العيون ويضع غشاوة على عقول عدد من ابناء الجيل الشاب الذى يدفع دفعا باتجاه عدم التعمق فى فهم واستيعاب تاريخه الوطنى، والاكتفاء بالمقولات المضللة، والتعريض برموز وطنية قدمت حياتها لخدمة هذا البلد.
ومن هنا لا تمر ذكرى ثورة يوليو، إلا وقد راح بعض الموتورين، يسبون قائد الثورة وزعيمها جمال عبدالناصر، تحت لافتة كاذبة تدعى النقد، وهى إلى الحقد أقرب. وعلى عكس كل السنوات، العشرين الأخيرة على الأقل، التى كان موسم الهجوم فيها على عبدالناصر يبدأ قبل 23 يوليو بأيام معدودة وينتهى سريعا، تميز هذا العام عن سابقيه بأن التطاول على ناصر جاء مبكرا، ربما ظنا من النائحين أن طول مدة النواح قد يكون أكثر تأثيرا، ويجنبهم الفشل المتوالى، وخيبة الأمل التى يصابون بها فى كل عام.
وحتى لا نتهم بأننا من الدراويش، وهى التهمة المعلبة الجاهزة، نقول إن عبدالناصر لم يكن ملاكا ولا شيطانا، كما يعتقد المحبون، أو يظن الكارهون، بل كان إنسانا مصريا من لحم ودم.
وأختم بما جاء فى مقال، للوزير الراحل الذى خدم مع عبدالناصر فى أدق المراحل، أمين هويدى، رحمه الله، تحت عنوان «مفاتيح شخصية عبدالناصر»، ونشرته صحيفة العربى فى 21 يوليو 2002 ويقول فيه: «كان الرجل بشرا كالملايين.. له حسناته وله سيئاته، له ايجابياته وله سلبياته.. يحب ويكره، يحنو ويقسو، يمرض ويعافى، يخطئ ويصيب، ينجح ويفشل، يصادق ويعادى». هذا هو ناصر الذى لا يزال يصمد فى وجه العواصف رغم أنف الحاقدين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved