ماذا تقرأ في الصيف؟
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 يوليه 2025 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
بالطبع، هناك من لا يقرأ فى كل الفصول، أمّا قرّاء الصيف، فهم أولئك المسافرون الذين حملوا معهم بعض الكتب الخفيفة، الشعر مثلًا، أو القصة القصيرة، والبعض يحب قراءة روايات «النوفيلا» فى رحلات الطيران الطويلة، أو فى رحلات القطار البطيئة. وهل من قطارات بطيئة اليوم فى زمن الصواريخ العابرة للقارّات؟ ما زلت أذكر إلى اليوم، وأنا فى الستين من العمر، رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، وقد قرأتها فى رحلة قطار فى عام 1983 من الدمام إلى الرياض، وكانت فى تلك الأيام «صرعة» روائية فى الوطن العربى كلّه، وقد كتب عن تلك الرواية منذ صدورها قبل أكثر من نصف قرن من الزمان ما يعادل طنًا من الورق والحبر، والبعض إذا عاد إلى قراءتها الآن بعد مرور هذا الزمن، فإنه سيشعر بالبرود النفسى والثقافى إزاء رواية لم تكن تستحق كل تلك الزوابع الصحفية قبل عشرات السنوات.
ليست «موسم الهجرة إلى الشمال» سوى مثال عابر فى مسألة اختلاف ذوق أو تقييم القارئ لما كان قد قرأه قبل عشرات السنوات، ثم أعاد قراءته الآن، وإذ به يشعر بخيبة أمل، وأن ما كان مولعًا به فى الماضى ما هو سوى شىء بارد.
مثل موسم الطيب صالح روايات عديدة يمكن أن تقرأ من جديد، ويعاد تقييمها بروح «نقدية» جديدة وسط أعداد هائلة من الروايات الجديدة التى اجتاحت المئات من روايات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.
ولكن، لنعد إلى قراءات الصيف، وهى على الأرجح دائمًا من الوزن الخفيف، إذ لا يعقل أن تمضى إجازة ناعمة مثلًا فى بلد خفيف الظل، وأنت تحمل معك «الإلياذة» أو «الكوميديا الإلهية» أو «رأس المال».
الشعر، إذًا، أحد قراءات الصيف بامتياز، ولكن ليس كل الشعر يقرأ فى الصيف، وإذا أردت فأنت لا تستطيع قراءة بدر شاكر السيّاب الآن على مقياس 40 أو 50 درجة حرارة. وقد لا تقرأ نازك الملائكة، وصلاح عبدالصبور وخليل حاوى والجواهرى وحتى المتنبى فى الصيف، فى حين تستهويك قراءة شعر الحب الناعم كالرذاذ الذى كتب عنه جاك بريفير مثلًا، وسوف تنأى بنفسك عن قراءة بابلو نيرودا أو أراجون أو غيرهما من شعراء الأيديولوجيات الحمراء، فى حين يستهويك شاعر «خرافى» متعدد الأسماء مثل فرناندو بيتسوا.
قراءات الصيف مثل ثياب الصيف، خفيفة، و«نُص كُمّ». قصائد بيضاء مثل الثياب القطنية البيضاء، فى حين قراءات الشتاء فصل الثلج ودرجة تحت الصفر هى قراءات المعطف أو قراءات «الكنبة» أمام موقد لا يحمرّ خجلًا من التهام الخشب والكستناء.
ماذا تقرأ فى الصيف؟ إنها مسألة مزاج فى نهاية الأمر، فقد يحب أحدهم ارتداء معطف ثقيل فى عزّ الحرّ.
يوسف أبولوز
جريدة الخليج الإماراتية