ثقافة الكومبوند أم كومبوند الثقافة؟
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 يوليه 2025 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
فى سهرة لطيفة فى أحد كومبوندات القاهرة الجديدة التقى جمهور متنوع فى حوار مع المثقف البارز الأستاذ محمد سلماوى، حول روايته «زهرة النار»، لكن الحديث امتد ليشمل قضايا العمل الثقافى بوجه عام. الحوار كان شيقًا، وامتد لوقت متأخر، وتحدث فيه عدد من المقيمين بالكومبوند فضلا عن عدد من الوجوه الإعلامية المعروفة، وأداره الكاتب ماجد منير، والكاتبة نوال مصطفى.
فى خضم حديث الأستاذ محمد سلماوى، وتساؤلات وملاحظات الحضور، ترددت مصطلحات مهمة مثل «المسئولية الاجتماعية» لرجال الأعمال، وأهمية أن يكون للمشروع السكنى بُعد ثقافى، وضرورة تنظيم مسابقات للقراءة، وإصدار نشرة ثقافية فى هذا التجمع السكنى، ووجود مكتبة، ومنفذ لبيع الكتب، وجميعها من الأفكار المهمة. وقد أضفى الأستاذ سلماوى إطلالة ثقافية، تجاوزت حيز المكان، لتشمل الواقع الثقافى على اتساعه، حيث أكد أن المساحة المخصصة للثقافة فى مصر محدودة، وأن الثقافة لا ينبغى أن تدار فقط بواسطة الحكومة، بل يكون للقطاع الخاص دور، ويتعين أن يكون للسياقات المكانية المحلية دور فى اكتشاف واحتضان المواهب، وهى رسالة ثقافية مهمة، مثلما اكتشف يوما الناقد المبدع الدكتور لويس عوض الشاعر الكبير أمل دنقل، وأعطاه مساحة، وهو نفس المنطلق الذى جعل من يوسف إدريس الطبيب، أهم كتاب القصة القصيرة.
كان الحديث شيقًا، وهو ما دفعنى إلى التفكير فى سؤال: لماذا يهتم الأغنياء بالثقافة؟ هل بدافع من «الوجاهة الاجتماعية»، ولاسيما بعد أن صار لهم النفوذ الاقتصادى، والحضور السياسى أم أن هناك أسبابًا أخرى؟
بعيدًا عن التفسيرات اليسارية لعلاقة البرجوازية بالثقافة، أرى أن هناك أسبابًا عديدة تدفع الأغنياء للاهتمام بالثقافة، أبرزها: أن رأس المال لا ينمو إلا فى بيئة آمنة، وهو غرض الطبقة الرأسمالية فى أى مجتمع، ولا يمكن أن نضمن وجود بيئة آمنة إلا بالثقافة، والتخلص من العشوائيات، ليست فقط العشوائيات السكنية، ببناء مساكن عصرية، ولكن أيضًا العشوائيات الفكرية، التى تغتال تقدم المجتمع مثل التطرف والجهل وضيق الأفق والتشبث المرضى بالماضى، ومعاداة التقدم والمعرفة. الأمر الثانى، أن المسئولية الاجتماعية لرأس المال تجعل منه صاحب مشروع اجتماعى، وأيضا صاحب مشروع ثقافى، ولا يمكن أن نغفل أن الرأسمالية الحقيقية هى التى شيدت الجامعات والمستشفيات والمؤسسات الثقافية فى الغرب، ودعمت المبدعين والعلماء، وجعلت من مجتمعاتها حاضنة للتقدم. ومن ناحية ثالثة، فإن الرأسمالية بحكم تكوينها تراهن على العنصر البشرى المتقدم المتعلم والمثقف، الذى يستطيع أن يحقق لها التطور والتقدم، ويجعل المجتمع أكثر إنتاجية، وهو لا يتحقق فقط بالتعليم، ولكن أيضا بالثقافة التى تنبض بالوعى، والخبرات، والقدرة على الإبداع. وأخيرًا، فإن التطورات السياسية التى ألمت بالمجتمع المصرى طيلة السنوات الماضية، وبالأخص ما بين عامى 2011-2013، جعلت المجتمع بأسره، ولاسيما الطبقتين الوسطى والعليا، يعيش لحظات فارقة، كاد أن يتمزق فيها، وتهدر جهوده المتقطعة على مدار أكثر من قرنين فى بناء دولة حديثة، لم يكن أحد بمنأى عن التهديد، بما فى ذلك سكان الكومبوندات، بل شهد أحدها حسبما نشر بعض سكانه على وسائل التواصل الاجتماعى محاولات جرت، تحت دعاوى مختلفة، لبث أفكار متشددة ومتطرفة داخله، ووجدت من يتصدى لها.
بالتأكيد فإن اهتمام الكومبوندات بالثقافة سوف يغير الصورة النمطية التى حاول البعض رسمها عن عزلة سكانها، واحتمائهم بأسوارها فى مواجهة المجتمع، بل على العكس، فإنه من خلال الثقافة يزداد تفاعلهم مع الواقع المحيط، ويصبحون بحكم امتلاك القدرات المالية، والرغبة فى التقدم، والتشبث بجمال الحياة فى طليعة من ينهضون بالمجتمع ثقافيًا، ويتجهون بخدماتهم الثقافية إلى المناطق السكنية المتوسطة والفقيرة. وهكذا بعد أن أنشغل بعض الباحثين لسنوات بالبحث فى «ثقافة الكومبوند»، انطلاقا من الاعتقاد بعزلته الاجتماعية، قد يدركون الآن أهمية انبعاث الثقافة من داخله، وينتقل اهتمامهم إلى ما يمكن تسميته كومبوند الثقافة.