رفعت السعيد

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 22 أغسطس 2017 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

فى صيف عام 2001م، بينما كنت أدرس الماجستير فى جامعة «ساسكس» فى بريطانيا جاءت لزيارة الجامعة طالبة مصرية من جامعة أخرى قدمها لى صديق هو الدكتور أيمن زهرى الذى كان يستعد للانتهاء وقتها من الدكتوراه فى موضوع شيق عن هجرة أهل الصعيد إلى القاهرة. قدمها لى باسميها الأول والثانى «غادة رفعت». تجاذبنا أطراف حوار طويل، وأبديت خلاله العديد من الملاحظات النقدية على اليسار، بينما صديقى يحاول جاهدا أن يصرفنى إلى موضوع آخر. انتهى اللقاء، طلبنا منها أن تظل معنا إلى العشاء، فاعتذرت بأن طريق عودتها طويل. بعد قليل عاد صديقى لى معاتبا: هل تعرف من هذه الزميلة؟ إنها ابنة الدكتور رفعت السعيد. فابتسمت، وقلت له كان من الضرورى أن تلفت انتباهى، ولاسيما أنى أعتز بمعرفة والدها التى بدأت صلتى به منذ بدء عملى فى البحث والصحافة. مرت شهور، وعدت إلى القاهرة بعد انتهاء الدراسة، وما أن التقيت الدكتور رفعت السعيد حتى بادرنى مبتسما: قل لى إيه اللى مش عجبك فى اليسار؟ 

الدكتور رفعت السعيد شخصية استثنائية، جمع بين نقيضين، العمل السياسى «اللعب فى مساحات الممكن» والعمل الاكاديمى «السعى إلى ما يجب أن يكون». بالطبع كان شخصية خلافية، له من أحبه، وهناك من اختلف معه، لكنه ظل رقما مهما فى السياسة المصرية، وفى الحركة اليسارية يصعب تجاوزه. واسع فى خبراته، غزير فى كتاباته، التى كانت متنوعة، ما بين التأريخ، والاشتباك السياسى، والسيرة الذاتية، والملاحظات الخاصة. قلمه ممتع، لغته أدبية سلسة، لم تعرف خشونة الصياغات الاكاديمية، متحررة، منطلقة، تجمع بين العمق والبساطة، البحث والصحافة، وهو ما يكشف عمق الشخصية التى نتحدث عنها. 

تسمع منه الكثير عندما تجلس معه، وتكتشف الكثير عن إدارة الشأن العام، وبالأخص دولاب الدولة، وهو من مميزاته أنه كان متشعبا فى علاقاته، لم تحجبه ستار الايديولوجية عن الانفتاح على بعض رجال الأعمال، والحكومة التى يعارضها، ولاسيما أن أحد المجالات الأساسية التى شغلته كانت المواطنة ومواجهة التطرف، وهى قضية مهمة يتلاقى عليها دعاة التسامح أيا كان موقعهم السياسى، ويشعرون أنها تتعلق بمستقبل البلد، أكثر من ارتباطها بفريق سياسى. 

أعتاد أن يقضى بعضا من وقته فى مقاهى الإسكندرية مساء عندما يفرغ من نشاط له فى مكتبة الإسكندرية. بسيط، غير متكلف، يجلس إلى جواره محبوه المحامى الوفدى اللامع عصام شيحة، وثالثهم سمير زكى المهتم بالعمل العام، وعدد آخر من الأصدقاء، وكنت ألحق شطرا من الحوار بعد انتهاء عملى. خبراته كثيرة، وحكاياته لا تمل منها، وعادة ما كان يداهمنا منتصف الليل دون أن نشعر. 

منذ شهرين التقيته فى مكتبه بحزب التجمع بعد اتصال منه لإهدائى آخر كتبه، أعقبه حضوره ندوة فى مكتبة الإسكندرية فى منتصف يوليو، على أمل فى لقاء آخر فى منتصف سبتمبر، وصلته الدعوة، وأجرى اتصالا بصديقه الوفدى عصام شيحة الذى أعتاد أن يصحبه إلى الإسكندرية، لكن الموعد لم يتم، فقد رحل فى صمت، رغم أنه كان من أكثر الشخصيات رفضا له، وجعله عنوانا لكتبه «للصمت...لا».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved