«الترام» الذى أتمنى أن يكون صديقى

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: الخميس 22 أغسطس 2019 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

لى ذكريات ليست سيئة مع ترام الإسكندرية عبر العديد من العقود وللأسف الشديد يتناسب شعورى الطيب عكسيا مع زمن علاقتى به. وكم أتمنى أن تتحول علاقتى به إلى صداقة طيبة والأهم طبعا علاقة أهل الإسكندرية وسكانها الدائمين وزوارها الموسميين.
كنت أحضر مؤتمرا ليوم واحد من نحو سنتين فى المركز الثقافى الفرنسى فى المنيرة وكان يركز على التنقل المستدام وكان أحد المتحدثين ممثلا لوكالة التنمية الفرنسية وكان يعرض لأنشطة الوكالة وجاء على ذكر الدراسة والمشروع الخاص بتطوير ترام الإسكندرية بتكلفة تقديرية نحو ثلاثمائة مليون يورو (وهو المشروع الذى عاد للذكر من أسابيع قليلة). وذكر ممثل الوكالة أن المشروع يتضمن عمل تقاطعات فى عدة مستويات لفك الاشتباك مع السيارات فى مستوى الشارع وعندما أبديت قلقى من تأثير ذلك على الفيلات العديدة القيمة وعمران الإسكندرية بصفة عامة (تخيل أن الفيلا التى تم بناؤها منذ نحو مائة عام وترتفع دورين أو ثلاثة أصبح هناك كوبرى بمحاذاة منتصف ارتفاعها أى أنها ستكون كما لو أنها فى البدروم بالنسبة لراكبى المترو) قال إن مخططى المشروع اقترحوا حلا سطحيا للتقاطعات باستخدام الإشارات ذات التوقيت (والتى نجحت مثلا فى ميدان نادى الرماية وغيره) ولكن المشكلة أن المسئولين أصروا على الحل ذى المستويات وعمل كبارى للتقاطعات. عندها قلت ولكن على الوكالة واستشارييها ألا تكون شريكة فى مشروع له تأثير سلبى كبير محتمل على الأقل بدون دراسة تلك الآثار والتعامل الجدى معها. تخيل مثلا مدى الانخفاض المحتمل فى قيمة الفيلات والعقارات القديمة على طول خط المترو وربما توازى تلك الخسارة تكلفة المشروع ذاته.
أكدت تلك المناقشة التى لم تنته انطباعى عن بعض وكالات التنمية الدولية والتى تعطى أولوية كبرى للمشروع وليس لنتائجه المُحتملة على المجتمع والبيئة ويستغلون للأسف عدم قدرة بعض المسئولين على النقاش والجدال لتحقيق مصلحة المجتمع بأقل قدر من الآثار السلبية.
ترام الاسكندرية هو أحد ثلاثة مشروعات كبرى مخططة أو كانت مخططة ضمن مخطط الإسكندرية ٢٠٣٢ للمعمارى والمخطط الألمانى ألبرت شبير والذى اقترح فيه أيضا منوريل فوق ترعة المحمودية (الله يرحمها) والثالث كان تطوير قطار أبوقير. وأعتقد أن فى المشروعات الثلاثة يقع الإنقاذ المحتمل للتنقل فى مدينة الإسكندرية وربما أيضا للمدينة ذاتها.
لست خبيرا فى التنقل ولكن التنقل لا يمكن فصله عن الدراسات العمرانية كما أنه يتطلب مناقشات وحوارات مجتمعية جادة وليست من تلك التى يدعى فيها من يصفونهم بممثلى المجتمع المدنى وهم ليسوا كذلك.
أهمية تلك المشروعات القصوى ليست فقط فى تيسير التنقل اللائق بعامة الناس وتقليل الوقت المهدور( وهو فى النهاية مال مهدور) ولكنها أيضا تكمن فى أنها قادرة فى حالة عملها بكفاءة بإقناع العديد من راكبى السيارات الخاصة باستخدام الترام والوسائل الجماعية الأخرى وهو ما يعنى تقليل كمية التلوث فى مدينة الإسكندرية بنسبة أزعم أنها ستكون مؤثرة. كما أن تلك الوسائل الجماعية المحترمة ستسهم فى دعم الأنشطة الاقتصادية فى المدينة. وسيدعم هذا ولا شك خطة الدولة المصرية للتنمية المستدامة بحلول ٢٠٣٠.
أتمنى ألا تتخلف الإسكندرية عن مدن أخرى لا أقول أوروبية ولكن عربية مثل بعض المدن فى المغرب والتطور الكبير الذى شهدته فى التنقل الحضرى. وأتمنى أيضا للقاهرة أن يتم الأخذ بجدية بالخطة التى تم عملها بدعم من وكالة التنمية اليابانية فى عام 2007 والتى أعتقد أنها من أفضل الدراسات التى تمت للتنقل الحضرى فى القاهرة ولا تزال صالحة حتى الآن.
النقل العام محورى للتنمية المستدامة فهل نتعامل معه بجدية كافية؟
أستاذ العمارة بجامعة القاهرة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved