الموضوعية يرحمكم الله

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 22 سبتمبر 2011 - 10:35 ص بتوقيت القاهرة

أخطر ما يهدد أى مجتمع فى مراحل التحول أن تخلو نقاشات نخبته بشأن المستقبل من الموضوعية فيسعى كل طرف إلى استخدام كل وسيلة ورفع كل حجة من أجل تعزيز موقفه ودعم خياراته حتى إذا كان ذلك على حساب الحقيقة التى يفترض أن الجميع يبحث عنها ويقدسها.

 

فغياب الموضوعية عن المناقشات التى تدور حول قوانين الانتخابات وقواعد مباشرة الحقوق السياسية يخرجها من دائرة الجدل إلى دائر الدجل. ليس هذا فحسب بل إن الكثيرين ممن يقدمون أنفسهم كمدافعين عن الثورة وحقوق الشعب يرتكبون جريمة فى حق هذه الثورة والشعب من أجل تبرير خيارات قد لا تخدم إلا مصالحهم الشخصية.

 

فعندما يقول سياسى كبير إن إجراء الانتخابات الحرة والنزيهة بالنظام الفردى يعنى فوز فلول الحزب الوطنى بأكثر من 55% من المقاعد فإنه يقول إن ما شهدته مصر لم يكن ثورة شعبية وإنما انقلاب أقلية على إرادة شعبية تثق فى الحزب الوطنى المنحل ومازالت مستعدة لمنحه ثقتها بأكثر من 55% من أصواتها رغم حله وسجن كل قياداته والتشهير بهم.

 

إن هذا الكلام للأسف شديد يسىء للشعب والثورة لكى يغطى به قائله عن عجزه وعجز رفاقه ممن يقدمون أنفسهم الآن باعتبارهم طليعة المجتمع وقادة حراكه السياسى رغم أنهم يفتقدون الحد الأدنى من الوجود فى الشارع والتفاعل معهم ويكتفون بالمشاركة الثورية عبر شاشات الفضائيات وقاعات المؤتمرات والاجتماعات المكيفة.

 

كيف يتجرأ سياسى أو عامل فى أى حقل من حقولها أن يقول إن بقايا الحزب المنحل قادرة على حصد أكثر من نصف مقاعد مجلس الشعب المقبل فى أى انتخابات نزيهة مهما كانت طريقة إجرائها فى حين أن هذا الحزب لم يحصل فى انتخابات 2005 على أكثر من 30% من المقاعد رغم انفراده بالسلطة وتسخيره كل موارد الدولة لخدمته؟ إن خطورة هذا الكلام هو أنه يبرئ الحزب المنحل من تهم التزوير والتلاعب كل الانتخابات الماضية لأنه ببساطة إذا كان أعضاؤه يستطيعون الآن الفوز بأكثر من نصف المقاعد فمن الطبيعى أن يفوزوا بما هو أكثر عندما كانوا فى السلطة.

 

غير أن الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق. فهؤلاء القادرون على الفوز فى الانتخابات القادمة لم يكونوا من الحزب المنحل بل كانوا يخوضون الانتخابات مستقلين ومن أجل حسابات تتعلق بخدمة دوائرهم الانتخابية ومصالحهم المباشرة كانوا ينضمون للحزب بعد الفوز عليه. وهؤلاء الآن إن خاضوا الانتخابات المقبلة فسوف يخوضونها بأجندة خدمية تعتمد على التواصل المباشر والتفاعل الدائم مع الشارع الذى يتعالى عليه قادة الحراك السياسى الآن.

 

إن الكثيرين ممن يصرخون طلبا لإجراء الانتخابات بالقائمة إنما يفعلون ذلك هربا من فشلهم فى الوصول إلى الشارع وغياب أى شعبية حقيقية لهم. كما أنهم يفعلون ذلك بحثا عن مقاعد نيابية لن يصلوا إليها فى أى منافسة وجها لوجه مع شخصيات محلية قد لا تمتلك البريق الإعلامى الذى يحيط بمن يقدمون أنفسهم باعتبارهم نخبتنا السياسية وإن كانوا فى الحقيقة «نكبتنا» السياسية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved