سياسات الهوية وتأجيل الجدل الاجتماعى


دينا الخواجة

آخر تحديث: السبت 22 سبتمبر 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

أظهرت الأسابيع الأخيرة أن كل القضايا جديرة بالحشد دفاعا عن اهميتها بل وقادرة على إنجاز جزء لا بأس به من التعبئة، من حملات الدفاع وتقصى الحقائق عن سكان المناطق المهددة بالإزالة أو المطالبة بالشفافية فيما يتعلق بقرض صندوق النقد الدولى إلى الرفض الواسع داخل الأحزاب السياسية للاستمرار فى بناء الاقتصاد المصرى على الاستدانة مرورا باحتجاجات المثقفين والفنانين دفاعا عن حق التعبير وحرية النشر أو جدوى وجود مجلس الشورى واختصاصاته الحالية وانتهاء بتزايد حالات الإضراب والمطالبة بإقرار قانون جديد يؤسس لحق التكوينات النقابية المستقلة، تطول القائمة ويستحيل حصرها أو الادعاء بانها شاملة وجامعة فيما يبدو.

 

من البديهى ان حاله السيولة والغموض بل والتخبط التى اتسمت بها مؤسسات النظام الجديد قد شجعت على هذا التضافر فى إعلاء المطالب، ومن البديهى أيضا أن تعدد الأولويات كان ومازال نتيجة طبيعية «للثورة الأفقية» أو للثورات فى «كل موقع» كمسار تم تبنيه قصديا أو تلقائيا منذ ربيع ٢٠١١. على هذه الخلفية المزدوجة، ازدادت الصورة تعقيدا خلال الأيام الماضية بادخال عنصر ثالث، وهو العلاقة بالآخر، سواء كان إقليميا أو دوليا وذلك لما يستدعيه هذا المستوى من موروثات أغلبها ردود فعل ميكانيكية يتم استدعاءها بشكل شبه فطرى إبان كل أزمة خصوصا عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل الكرامة الوطنية والهوية والدين والمقدسات.

 

●●●

 

الطغيان المفاجئ للغضب باسم الهوية أو الكرامة كان دائما وأبدا الحل الأسهل للتعبير عن المعاناة دون بذل مجهود فى تحديد اسبابها أو اليات تخفيفها. كل القوى السياسية بلا استثناء ارتكنت لهذا المنطق فى لحظه ما منذ اندلاع الثورة اما للحشد واما لتفادى الجدل حول قضايا الصراع الاجتماعى الحقيقية. هكذا تم التوقف فجأة عن السجال حول كل من القرض وحقوق سكان مناطق الإزالة أو قانون النقابات العمالية المستقلة وتمحورنا من جديد على كل جراحنا التى استطعنا تسميتها والاتفاق عليها حتى قبل الثورة. مناطق الراحة كما يسمونها بالإنجليزية. هكذا ركزنا على اجترار نبذ السعودية كمركز النفوذ والهيمنة فى النظام الإقليمى بعد عقود المجد المصرية التى سمعنا عنها كأنها العصر الذهبى الذى يستحيل استرجاعه أو الارتياب فى قطر الصاعدة والمليئة بالمتناقضات والتحالفات الغامضة مع القوى العزمى والتنظيمات الإسلامية ودوائر نفوذ المال التى تشعرنا بانسحاقنا التام، أو التوجس من اى تقارب مع ايران وخطر الاستقواء الشيعى، أو الرعب من إسرائيل التى لا يفصلنا عنها سوى سيناء التائهة فى تحديد هويتها إلا عبر مراره الاضطهاد المزدوج من كل من البلدين، وأخيرا وليس آخر، الكره الشديد للولايات المتحدة والمؤسسات الدولية المالية، حماه مبارك السابقين، بما يمثلانه من انتصار ساحق للأفكار النيو ليبرالية وتجاهل لأى مفردات ثورية باعتبارها استثناء غالبا ما يخفت بعد شهور أو سنوات.

 

●●●

 

كيف يمكن مواجهة هذا الطوفان من الأسئلة الوجودية المتضافرة التى ستحدد مستقبل مصر السياسى والاجتماعى والاقتصادى؟ من أين يأتى الناشط أو المشارك أو حتى الملاحظ بمفاتيح الإجابه؟ ثم ما المعيار لتحديد أى أولويه؟ هل هو مدى مساهمته فى بناء نظام جديد قادر على درء الفساد ودفع التنمية؟ هل يكمن المعيار فى القدرة على تفعيل دوله القانون، حيث تتاح المساءلة والشفا فيه؟ أم لابد وأن يرتبط بالضرورة بأنصاف المهمشين والشهداء والجرحى والمشردين؟ أو ــ لِمَ لا ــ يقدم الوقود الحى اللازم للاستمرار فى استنزاف ما تبقى من دوله الظلم والعفن وممثليها الجدد الذين اختطفوها كسبية أو غنيمة فى حرب وجيزة؟ أخطأنا كثيرا عندما قصرنا تحليلاتنا على الدوائر الرسمية والفاعلين المهيمنين قبل اندلاع الثورات العربية، ولذا يجب ألا نسرف الآن فى تبنى الاتجاه المضاد، حيث تكتسب كل لحظة وكل أزمة عابرة دلالات مبالغ فيها من حيث دعمها للسياق الثورى أو بلورتها لآليات الخروج من السلطوية لأن الكثير منها، وخاصة تلك المعلية للثورة كتعبير عن هوية مضطهدة. لأنها مثلها مثل الحمل الكاذب، المنتظر منذ عقود: لن تأتى بوليد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved