دعوة إلى العودة لفن المناظرات

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 22 سبتمبر 2018 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

عنوان هذا المقال به دعوة وبه توصيف، الدعوة سنتكلم عنها في بقية هذا المقال أما التوصيف فهو للمناظرات بأنها فن، المناظرة هي سؤال مطروح ويوجد شخصان أو فريقان يتبنى كل واحد منهما وجهة نظر مغايرة للآخر ويتحاوران كل يدافع عن فكرته بالحجة والمنطق ويأتي بأدلته، الفن في الموضوع هو كيف تفيد المجتمع عن طريق عرض وجهة نظرك وتفنيد وجهة النظر الأخرى بالحجة المنطقية والتي تأتي بالدليل من العلوم التطبيقية والنظرية والتاريخ والفلسفة ومختلف العلوم الأخرى وتركب قطع "الموزايك" هذه في صورة جميلة تشعرك بتكامل العلوم وتعرض وجهة النظر بوضوح، هذا نوع من الفن بلا جدال، بل إن سؤال المناظرة نفسه نوع من الفن لأنك تريد أن تختار الأسئلة المفيدة للمجتمع حولك وليست الأسئلة الجدلية التي تمهد "لخناقة" وليس لمناقشة. من المهم أيضاً أن نقول أن الوصول إلى إجابة واحدة قاطعة ليس هو الهدف وأغلب المناظرات لا تصل إلى تلك النهاية ولكن المناقشة الثرية هي الهدف.

هذا الفن اختفى تماما أو كاد في عصرنا الحالي وأتذكر الأن مقولة عمنا الكبير جلال عامر رحمه الله الذي قال: "تبدأ المناقشات عندنا بتبادل الآراء في السياسة والاقتصاد وتنتهي بتبادل الآراء في الأب والأم"!

نجاح فن المناظرات إذاً يعتمد على السؤال المطروح والأشخاص الذين يدافعون عن وجهات النظر المختلفة وعن براعة من يدير المناظرة وعن كيفية الاستفادة من هذه المناظرة بعد أن تنتهي.

لعل من أهم المناظرات عندنا تلك التي تمت بين القامتين العظيمتين في تاريخنا الحديث الدكتور علي مصطفى مشرفة والدكتور طه حسين عن فضل العلم على الأدب وفضل الأدب على العلم وقد تكون مفاجأة إذا علمت أن الدكتور مشرفة كان يتحدث عن فضل الأدب على العلم بينما تحدث الدكتور طه عن فضل العلم على الأدب! العلاقة بين العالمين العظيمين كانت علاقة صداقة وود واحترام بل قيل أن الدكتور طه حسين قال في رثاء الدكتور مشرفة: "مصر كلها أمتحنت في عَلم من أعلامها بل ومن أعظم أعلامها ارتفاعًا وبُعد ذكر في الآفاق"، هذا معناه أننا لا يجب أن ننظم مناظرة بين أشخاص معروفين بعداء شخصي لبعضها حتى تصبح المناظرة حربا ويكون الهدف منها نشر "تعليقات نارية" وتجميع "لايكات" على مواقع التواصل الاجتماعي.

إليك بعض المقترحات لمناظرات أعتقد أنها قد تفيد المجتمع الثقافي والعلمي والأدبي والفني عندنا:

نعيد إحياء ما ذكرناه في بداية هذا المقال ونعقد مناظرة عن فضل الأدب على العلم وبالعكس وفضل الفن على العلم وبالعكس، أهمية ذلك أن كل عالم وأديب وفنان سيعرف تأثير عمله ليس فقط في مجاله ولكن في المجالات الأخرى وكيف أن ما يفعله هو حجر في بناء الثقافة الجمعية للشعب وهذا أقوى من مجرد عمل بحث للترقية أو فيلم للتسلية أو قصيدة لجائزة أدبية.

عندما تعيش في دولة نامية وتواجه صعوبات اقتصادية هل يجب أن تهتم بالتعليم أولاً ثم البحث العلمي؟ أم العكس؟ طبعا الفرعان مهمان ولكن من الأولى بالاهتمام ولكن بالقطع دون إهمال الفرع الآخر، أعلم أنك ستقول أنه لا يوجد بحث علمي دون تعليم وهذا صحيح ولكن إذا كانت إمكانيتك الاقتصادية محدودة ستثمر في أيهما أكثر؟ طبعاً القرار قد يختلف في مرحلة أخرى.

هل من المناسب والمطلوب حين ننشر سيرة أحد العلماء عندنا أن نذكر المحاسن والمساوئ كما يفعل الغرب؟ أم نصوره كملاك لا يخطئ؟ وما هي السلبيات والإيجابيات لكل طريقة؟

هل أفلام الخيال العلمي ستنجح في مصر؟ لما؟ ولما لا؟ وأقصد هنا أفلام خيال علمي مصرية وليست الأفلام الأجنبية.

هل في جامعتنا في مصر من الممكن أن نعطي أهمية في الترقية للتدريس أكثر من الأبحاث؟ أم الأبحاث أكثر من التدريس؟ ولاجظ أنني قلت في جامعاتنا في مصر ولم أقل في الجامعات عامة لأن لكل دولة أولوياتها في كل مرحلة.

هل تعريب العلوم مهم أم لا؟ قد يقول قائل إن الإنجليزية هي لغة العلم ولا يمكنك نشر بحث علمي إلا بهذه اللغة فلماذا التعريب؟ وقد يقول آخر التعريب يجعل العلم يصل إلى عامة الناس الذين لا يتقنون الإنجليزية وليس موجها للعلماء كما أنك قد تجد كنوزا علمية بلغات غير الإنجليزية ولم تحظ بالانتشار لأنها لم تنشر بلغة العلم مثلما حدث لكثير من أبحاث الرياضيات خلف الستار الحديدي للاتحاد السوفيتي قبل أن يتفكك ويظهر هذا العلم لباقي الدول.

هناك الكثير والكثير من الأفكار لمناظرات مهمة وخلاقة وياحبذا لو تم تسجيل هذه المناظرات ونشرها على الإنترنت أو تفريغها ونشرها في كتب حتى تعم على الفائدة على الجميع.. فهل يتبنى أحد تلك الفكرة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved