دمج المفرج عنهم

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 22 سبتمبر 2022 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

منذ أيام قليلة تم الإفراج عن دفعة جديدة من المقبوض عليهم. بعض من هؤلاء هم من المحكوم عليهم، وبعضهم الآخر من المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا وقد أفرج عنهم لعدم ثبوت الاتهامات بحقهم، أو استنفاد مدة حبسهم مع بقاء الاتهام. وقد أعلن المعنيين بملف لجنة العفو الرئاسى أنه قد تم بالفعل تنفيذ عدد من الإجراءات بعودة بعض من هؤلاء إلى أعمالهم السابقة، أو توفير فرص عمل لهم، كما أعلنت أنه يتم التنسيق مع الجهات المعنية بالدولة لحل بعض الأمور الإجرائية المتعلقة بمنع السفر أو التحفظ على الأموال.
وواقع الأمر أن أوضاع المفرج عنهم خاصة من سجناء الرأى، سواء منهم المحكوم عليهم بعقوبة السجن، أو الموقوفين احتياطيا تثير مشكلات كثيرة للغاية.
فبداية يرتبط هذا الموضوع بمشكلة الحبس فى قضايا النشر، وهو غالبا الموضوع الذى يتعاطف معه الكثيرين مع المحبوسين احتياطيا أو المسجونين بأحكام قضائية. وتلك المشكلة جد خطيرة، كونها تتعارض مع ما جاء به الدستور (م67) من حظر الحبس فى قضايا النشر، بعقوبة سالبة للحرية. وعلى هذا الأساس فإن معالجة أمر كالدمج على أهميته الكبيرة، لا يجب أن ينسينا التأكيد على ضرورة تعديل قانون العقوبات، بحيث يمتنع الحبس فى قضايا الرأى، وأن السلطة القضائية ملزمة بتنفيذ أحكام الدستور، حتى إن لم يصدر القانون المنظم لذلك باعتبار أن الدستور هو القانون الأسمى والأعلى.
الأمر الآخر، أن المفرج عنهم خاصة أولئك الذين كانوا محبوسين احتياطيا، تحول حبسهم الاحتياطى مع طول المدة إلى عقوبة، ومن ثم فإن هؤلاء حال خروج بعضهم من محبسهم، يكونون قد تعرضوا لجور اجتماعى واقتصادى ونفسى وذلك لأن:
بعض هؤلاء تقطعت بهم السبل، فبعضهم خسر وظيفته، وأصبح غير قادر على العودة إلى مكان عمله بسبب الضرر الذى أصاب سمعته، ونبذ الآخرين له، لا سيما إذا كان المفرج عنه، قد خرج وهو على ذمة القضية التى أوقف بشأنها.
أن بعض المفرج كانوا من الطلاب وقد خسر عاما أو عامين دراسيين، وهذا الأمر من غير الممكن تعويضه، لا سيما أنه قد تسبب فى تأخر موعد تخرجه فى الجامعة.
أن الإفراج بعد الحبس الاحتياطى قد تسبب فى الكثير من الأحيان فى التأثير على النشء، لا سيما أن بعضا من السيدات والرجال المحبوسين قد تركوا أطفالا فى المهد، أو تلاميذ بالمدارس، كانوا فى أشد الحاجة لآبائهم.
إن بعض من تم إيقافهم وثبت براءتهم من التهم المنسوبة إليهم، قد تعرضوا للضرر البين فبعضهم خرج من محبسه وقد أنهكه المرض، ولم يعد يقوى على ممارسة حياته الطبيعية بسبب الإعياء الشديد الذى ألم به صحيا، وبعضهم خرج وقد فقد والديه أثناء الحبس من شدة اعتصار الألم على سجن فلزة الأكباد، وبعضهم وجد الديون قد تراكمت عليه وكان يقوم بسداد ما هو مستحق عليه قبل توقيفه، كل ذلك سبب الكثير والكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
على أن واحد من أهم تداعيات عملية الإفراج بعد ثبات براءة الموقوفين، هو الضرر النفسى الذى خلق ــ نتيجة تراكم المشكلات والمعاملة داخل المحبس ــ إنسانا آخر، إنسان معقد نفسيا، بسبب نظرة مجتمعات الأقارب والجيران والعمل إليه. لذلك يبدو رد فعله هو الرغبة فى الانتقام من كل من حوله.
لكل ذلك فمن واجب السلطات المختصة سرعة العمل على دمج هؤلاء المفرج عنهم اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، والعمل على احتضان هؤلاء كوسيلة من وسائل التعبير عن تحمل المسئولية عما جرى لهؤلاء جراء الحبس. وبالطبع على تلك السلطات تنفيذ ما يمكن أن يتخذ من أحكام قضائية لصالحهم، بهدف تعويض هؤلاء على ما أصابهم من ضرر، بسبب الآثار والتداعيات التى لحقت بهم جراء حبسهم.
كما أنه من المهم سرعة وقف تداعيات توقيف هؤلاء وعلى رأس ذلك رفع الحجز أو الحراسة أو تجميد المدخرات البنكية الخاصة بهؤلاء، وقد أعيت الكثير منهم الديون بسبب اعتماد هؤلاء، خاصة كبار السن، على فوائد تلك المدخرات كمصدر معين على العيش والعلاج. كما أن رفع قرارات المنع من السفر، خاصة بالنسبة لمن لم تثبت الاتهامات بحقهم هو أمر ضرورى لتطبيع أوضاعهم.
كل ما سبق من أمور وأمور أخرى، لا تغنى كما سبق القول عن إعادة معالجة الأوضاع القانونية، الخاصة بوضع سياسات جديدة للحبس الاحتياطى فى قوانين الإجراءات الجنائية والعقوبات والإرهاب والطوارئ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved