حتى لا يرتفع ثمن الفشل

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 22 أكتوبر 2015 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

أغلب الأرقام الرسمية تقول إن الاقتصاد المصرى يدفع ثمنا باهظا لخيارات نظام الحكم الساعى إلى تأكيد شرعية لا تحتاج إلى تأكيد بالفعل، وشعبية كانت من المسلمات قبل شهور.

فاحتياطى النقد الأجنبى الحقيقى للبلاد يقترب من الصفر، حيث انخفض فى نهاية الشهر الماضى إلى 16.3 مليار دولار، منها 15 مليارا ودائع خليجية، حيث فقد الاحتياطى 3.7 مليار دولار خلال 3 أشهر فقط، بحسب بيانات البنك المركزى المصرى.

تدهور احتياطى النقد الأجنبى أدى إلى تدهور مستمر فى قيمة الجنيه المصرى أمام العملة الأمريكية التى اختفت تقريبا من السوق، فلم تعد شركات الدواء قادرة على استيراد المواد الفعالة لمواصلة الإنتاج، ولم تعد المصانع تجد قطع الغيار ولا مستلزمات الإنتاج المستوردة.

ومع تدهور الاحتياطى يرتفع حجم الدين المحلى بنحو 25% خلال 18 شهرا من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى ليصل إلى تريليونى جنيه وما يعنيه ذلك من كوارث مالية قادمة.

أمام هذه الأرقام، تصبح الدعوة إلى إعادة النظر فى اندفاع النظام الحاكم إلى تنفيذ مشروعات ضخمة بدون دراسات جدوى كافية ومعلنة، لأن المشروعات الاقتصادية ليست أسرارا عسكرية.

فبعد إنفاق نحو 1.5 مليار دولار على توسيع قناة السويس فى سنة واحدة والاستعانة بشركات أجنبية لتنفيذ نحو 75% من أعمال المشروع، اكتشفنا أن أوضاع التجارة العالمية لا تضمن زيادة حركة الملاحة فى القناة لاسترداد هذه الأموال. وبعد انسحاب الشركة الإماراتية التى وقعت مذكرة تفاهم تنفيذ مشروع العاصمة الجديدة، نرى الحكومة مصرة على المضى قدما فى تنفيذ المشروع بأموال الشعب غير الموجودة أساسا، رغم أن المنطق يقول إن انسحاب الشركة الإماراتية يثير الشكوك فى جدوى المشروع.

وبدلا من اعتبار الفشل فى استصلاح المليون فدان الأولى فى العام الأول من حكم الرئيس السيسى، دليلا على عدم جاذبية المشروع، نرى الحكومة مندفعة إلى استصلاح ليس مليون فدان وإنما مليون ونصف المليون فدان، وهو ما يعنى وضع عشرات المليارات من الجنيهات فى مهب الريح.

الصمت على خيارات نظام الحكم الاقتصادية ثمنه باهظ للغاية، سواء الآن أو فى المستقبل. ففى حين رفض المجلس العسكرى برئاسة المشير حسين طنطاوى الاقتراض أثناء وجوده فى السلطة بعد ثورة 25 يناير حتى لا يحمـِّل الأجيال القادمة ديونا كثيرة، نرى حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسى مندفعة نحو الاقتراض الداخلى والخارجى بسرعة هائلة.

المشروعات الاقتصادية العملاقة ليست أسرارا حربية تكشف عنها الحكومة بشكل مفاجئ ويبدأ تنفيذها على الفور كما قلنا. ففى كل دول العالم مثل هذه المشروعات تكون محل نقاش كبير على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية قبل اتخاذ قرار بشأنها. كما أن الحكومات فى مثل هذه النقاشات تقدم دراسات الجدوى وتكشف عن المؤسسات العالمية التى أجرتها حتى يكون الشعب على بينة.

أما إنفاق عشرات المليارات من الجنيهات من أجل القول إن نظام الحكم يحقق إنجازات عملاقة بدون عائد يتناسب مع ظروف البلد الاقتصادية فهو خطيئة كبرى لا يجب السماح باستمرارها.

أخيرا، فلا نملك إلا أن نتطلع إلى البرلمان المنتظر لترشيد اندفاع الحكومة فى مثل هذه المشروعات، رغم أن كل المتنافسين على الفوز بمقاعد البرلمان يتنافسون فى إظهار الولاء والخضوع لرئيس الجمهورية وليس فى إظهار القدرة على مراقبته ومحاسبة حكومته كما يقضى الدستور.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved