لا تترك فانوسك يسقط

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 22 أكتوبر 2017 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

تحمل فانوسك معك لا تتركه يسقط من يدك، هكذا تردد أنت وبعض الأصدقاء أو ما تبقى منهم لأن الآخرين إما رحلوا سريعا أو حتى نتيجة المرض وتعب الأيام أو اختفوا من تضاريس الحياة التى تعيشها أنت.. 
ربما لأن اللحظة أصبحت أسرع من لمح البصر، أو لأنهم يكررون عليك دوما عبارتهم الشهيرة أو شعار المرحلة الممتدة «لماذا تحمل السلم بالعرض؟»... كما يقول الشوام.. 
***
تبقى تنظر من خلف ذاك المبنى الزجاجى وتعرف أن هناك حيوات كثيرة حقيقية جدا أو ربما أكثر مما تسمعه هنا؛ حيث تجلس أنت وآخرون أو حيث يكتظ المكان باللاحد.
يقول لك عد إلى قلبك استشيره دوما وأحمل فانوسك وتنقل بين أجساد كثيرة وكلام يزحم المكان حد الاختناق.. كلام وكلام وكلام.. وصفحات من كلام أيضا تبقى هى الورق لا شيء أكثر من ذلك.
***
عد إلى قلبك كلما ضاقت فسحة الأمل أو سقطت الأخبار السوداء تحاصر أيامك وتنذرك بالقادم.. تتلبد السماء بالغيوم فتهطل مطرا تستبشر خيرا فتخرج إلى الشارع تلاحقك نظرات المارة وكأنهم جميعا يرددون السؤال أين عربتك أو مظلتك؟ أم أنك مجرد مجنون آخر فى شوارع المدن الضالة. 
***
تغتسل بمطر ليس هو الأنقى ولا يشبه شيئا من ذاك الذى كان يغرق أزقة حيك الممتد فى مدينتك الدافئة.. تتذكر أن الأطفال كانوا يخرجون تحت المطر فرحين به لندرته ربما أو لأنه يسقط كل الحواجز المفروضة عليهم فى عدم لمس التراب أو توسيخ ثيابهم.. تسمع تلك الأصوات الصغيرة وهى تردد نشيد المطر فى بلادك حينها وتضحك لأنه يقول «طج يا مطر على قطر والشمس طالعة»، وتعرف أنك كنت فى تلك البراحة من مدينتك التى يردد العرب عنها أنها كانت عاصمة العروبة والقومية والناصرية.. ولكنهم أى الصغار يرددون «على قطر.. والشمس طالعة».. تلك الشمس التى لم تعد «طالعة» بعد أن اختفت خلف سماء تتلبد بالتراب القادم ربما من دفن البحر المستمر لبناء المدن الحديثة فيما الأرض هناك ممتدة!!! أمر لم تفهمه أبدا لماذا يتم الاعتداء على البحر الذى كان هويتك وهوية البلد وليل الناس فيها حيث القمر والسماء المزينة بنجوم تحرسك وتأخذك إلى منامات عميقة لا كوابيس فيها ولا أشباح وأشباه بشر.
***
تعود لقلبك تسترشد به والأخبار السوداء تملأ المكان إلا عند الجالسين على أطراف الحياة يملئونها بالشعارات الحداثية المظهر والفارغة من أى مضمون سوى تسويق البلد على أنه منتج تجارى.. فى بلدان تتلون بالفقر والعوز والهجرة والترحال المستمر حتى أصبحت الخيمة هويتنا الوحيدة والجامع بيننا جميعا. 
***
تقبض على فانوسك وتقربه من قلبك هما سلاحك فى زمن السماء المتربة والمعتمة والطرقات المتهالكة والصيحات وأصوات الصخب خلف الصخب خلف الصخب.. يقول لك الصديق عش يومك والتحق بالركب قبل أن يفوتك رغم أنه يعرف أن ذاك الركب لا يشبهك و لم تكن يوما جزءا منه.. وفيما الأصدقاء يرسلون النصائح تلو النصائح ربما لخوفهم عليك أو خوفهم منك، فالأفكار أشد خطورة من سيف داعش.. وفيما النصائح تتساقط كالمطر وهى «ببلاش» كما يقولون، يأتى هو من بين الكثيرين يطاردك صوته وهو يقول احتكم لقلبك ولا تسقط فانوسك من يدك فلن يكون أحد دليلا لك ولن يستطيع أحد أن ينقذك لحظة السقوط الذى ينتظره الكثيرون منهم، ليس كرها فيك ولكن حتى لا يبقى من يذكرهم بشدة قبحهم وكرههم للحياة الحق وتعلقهم بالشكليات والمادة وقشور الحضارة واستهلاك المنتج وكأنهم هم صانعوه!!! 
***
دعهم وابق عند حافة قلبك.. 
أطفئ أضواءهم وابق فانوسك حيًا بك ومعك وربما وإن استطعت لذلك سبيلا، أضئ لمن حولك.. ابق أنت المنارة حتى لا يسقط آخرون فى الظلمات، أو حتى أن تسقط أنت، فلا يعود من يكتب أو يسرد الحكايات التى كانت، فما تلبث وأن تركن فيكسوها التراب ثم تصبح شكلا من أشكال الخرافات أو الأساطير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved