تطلعات مواطنين

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 22 أكتوبر 2019 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

شاركت السبت الماضى فى مناقشة رسالة ماجستير مقدمة إلى قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة بعنوان «تطلعات الأقباط بعد 25 يناير 2011»، أعدتها الباحثة الجادة هالة الحفناوى، وأشرف عليها شيخ أساتذة الاجتماع الدكتور محمد الجوهرى، وعاونه الدكتور سعيد المصرى، واشترك فى المناقشة الدكتور أحمد زايد، ولعل هذا التشكيل للجنة الحكم على الرسالة، والذى يضم ثلاثة من أفضل علماء الاجتماع فى مصر، من أجيال متعاقبة، يكشف أهمية الأطروحة التى تقدمت بها الطالبة، وامتلأ المدرج المخصص للمناقشة بأساتذة، وطلاب وطالبات، وباحثين، ويحسب لكلية الآداب، وقسم الاجتماع، أن يقدم مساحة أكاديمية لمناقشة شأن مصرى خالص، أصبح فى السنوات الأخيرة محط اهتمام باحثين غربيين.
لفت انتباهى أن الباحثة بذلت جهدا كبيرا، وصفه الدكتور الجوهرى، وهو محق، بأنه يرقى ببحثها إلى درجة الدكتوراه، جمعت البيانات من خلال أساليب كيفية أى عبر المقابلة، ومجموعة النقاش، ذهبت إلى الكنائس، والتقت بالأقباط، واستمتعت منهم، وقدمت تحليلا متميزا، بناء على معلومات مستقاة من الناس أنفسهم، وليست بناء على تقييمات الباحث «العليم» و«الخبير»، بعض النتائج التى خلصت إليها تخص المصريين كافة، مسلمين ومسيحيين، مثل التطلعات الخاصة بالتعليم، والوضع الاقتصادى، والاستقرار، وغيرها، وبعض النتائج الأخرى تخص الأقباط أنفسهم، من خلال ما صرحوا به من هواجس، أو ما قدموه من تطلعات إلى المستقبل، وهى فى جوهرها تطلعات مواطن يبحث عن الاستقرار، والمساواة، وتكافؤ الفرص، واحترام عقيدته، وهو أمر لا يختلف عليه أى شخص يبغى الخير لهذا المجتمع.
سعدت بهذه الرسالة للجهد المبذول فيها الذى استغرق سنوات من الباحثة، وحرص الأستاذان المشرفان الجوهرى والمصرى على التجويد، وحسن الإخراج الأكاديمى، وتضاعفت سعادتى لكون الباحثة مسلمة الديانة، مما يعمق الانفتاح، والعلاقات المتبادلة، والحرص على بناء جسور حوار وتعايش، وهو نفس الشعور الذى يخالجنى عندما أرى باحثا مسيحيا يميل إلى البحث فى التراث والفكر الإسلامى، لأن ذلك يعمق الفهم المتبادل، ويسقط الصور النمطية، والأساطير التى ينفخ فيها دعاة الفتنة والطائفية. ولا أمل من تأكيد حقيقة مهمة أن هناك من الباحثين المصريين ــ مسلمى الديانة ــ كتبوا فى الشأن القبطى أفضل مما كتب الأقباط عن أنفسهم، مدفوعين بوعى من الوطنية، والرغبة فى بناء الدولة الوطنية الحديثة، لا يمكن أن نغفل إنتاجهم الفكرى القيم، وأطروحاتهم المهمة مهما جرت مياه كثيرة فى ميدان السياسة، من بينهم الدكاترة والأساتذة طارق البشرى، ومحمد حسنين هيكل، ومصطفى الفقى، ونبيل عبدالفتاح، ونيفين مسعد ومحمد عفيفى، ومى مجيب، ويسرى العزباوى، وتضاف إليهم الباحثة الشابة هالة الحفناوى صاحبة هذه الرسالة التى تميزت بحسن التبويب، ورشاقة اللغة، والتدفق فى العرض.
هذه الرسالة، وغيرها، تصب مباشرة فى تعزيز جهود بناء الدولة الحديثة، وأتمنى أن تنشر فى كتاب يصل إلى المهتمين، ودوائر صناع القرار الذين تشغلهم قضايا التكامل الوطنى، واتخذت خطوات مهمة فى هذا المضمار لا يمكن أن نغفلها، وهناك تحديات لا تزال رابضة فى الطريق، ولكن المهم هو استمرار الجهود، ومواجهة ثقافة التطرف، ووكلاء الكراهية والإحباط، الذين يتعين علينا أن نفاجئهم بمبادرات مهمة من آن لآخر مثل هذه الرسالة العلمية المتميزة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved