«ريش» نعام!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 22 أكتوبر 2021 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

قبل أربع سنوات، وجهت نيابة أمن الدولة العليا، اتهاما للزميل الصحفى طارق جمال حافظ، بـ «خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء» على خلفية نشره تحقيقا فى جريدة الفجر، أشار فيه إلى ما قال إنه «تجاوزات فى التعيينات الجديدة لأعضاء النيابة العامة».
مع مرور كل هذا الوقت، تخيلنا أن مفهوم «خدش الرونق العام» تلاشى واندثر، أو على الأقل أصبح أكثر مرونة واعتدالا وقبولا لفكرة تخفيف الضوابط والقيود الصارمة التى يفرضها ويراها البعض ضرورية من وجهة نظره للحفاظ على شكل هذا «الرونق»، خصوصا لأنها قد تخاصم روح العصر وحق الناس فى الكلام والاختلاف والتفكير بشكل مستقل.
لكن ما فعله أحد الفنانين قبل أيام، عندما انسحب من عرض فيلم «ريش» فى مهرجان الجونة السينمائى، واتهامه للعمل بـ«الإساءة لسمعة مصر»، جعلنا نستيقظ على حقيقة أكثر إيلاما، وهى أن هذا المفهوم الذى يصادر حق الاختلاف، أصبح له تيار مكارثى من مثقفين وفنانين وإعلاميين، وأضحى أوسع انتشارا بالمجتمع، وأكثر ضيقا من الرأى المستقل، رغم اندثاره فى معظم دول العالم تقريبا!
لا يختلف أحد على حق هذا الفنان فى رفض ما جاء بالفيلم، أو حتى وصفه بأنه دون المستوى، لكن أن يبادر بتوجيه اتهامات له بالإساءة إلى سمعة مصر، لأنه «عرض صورة لأسرة تعيش فى عذاب.. ومش دى مصر اللى نعرفها»، فهذه مزايدة بلا معنى وتشكيك فى وطنية ومهنية صناع العمل، الذى نال جوائز عالمية لم يحصل عليها فيلم مصرى من قبل.
فيلم «ريش» يتناول ظاهرة الفقر فى مصر، حيث تم عرضها بشكل صادم وقاتم، وفقا لما ذكره بعض النقاد المحترمين الذين شاهدوه.. فهل يريد هذا الفنان أو غيره ممن أخذتهم الحماسة الوطنية فى توجيه تهمة الإساءة لمصر إلى هذا العمل، أن يضع صناع «ريش» رءوسهم فى الرمال مثل النعام حتى لا ينقلوا الواقع الصعب الذى يعيشه البعض فى هذا الوطن؟
مصر بالفعل دولة فقيرة باعتراف كبار مسئوليها، وهذا الأمر ليس عيبا أو مخجلا، والتكليف الدائم الذى يوجهه الرئيس السيسى لحكومته، هو العمل الجاد والحاسم للقضاء على هذه الظاهرة وتغيير حياة الناس إلى الأفضل، عبر اتخاذ العديد من السياسات والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية.
فمصر التى لا يعرفها هذا الفنان وغيره ممن ساروا على نهجه، هى التى أطلق رئيسها مبادرة «حياة كريمة» الهادفة إلى التخفيف عن كاهل المواطنين بالمجتمعات الأكثر احتياجا فى الريف والمناطق العشوائية فى الحضر، بتكلفة تقارب 700 مليار جنيه.
هى مصر التى تنفذ برنامج «تكافل وكرامة» الذى يقدم مساعدات نقدية للأسر الفقيرة والأكثر احتياجا، لإشباع احتياجاتها الأساسية وكفالة حقوق أطفالها الصحية والتعليمية، ويمد شبكة الحماية لتشمل الفئات التى ليس لديها القدرة على العمل والإنتاج مثل كبار السن (65 سنة فأكثر) أو من هم لديهم عجز كلى أو إعاقة.
مصر التى لا يعرفونها، هى التى قررت تطوير المناطق العشوائية، حيث تعكف حكومتها على تحديث المساكن القائمة بالفعل فى مناطق صُنّف بعضها على أنها مناطق شديدة الخطورة لا تصلح للسكن، بإلإضافة إلى إنشاء مجتمعات عمرانية وإسكان اجتماعى ومدن جديدة.
مصر التى لا تعرفها الطبقة المخملية، تبلغ مؤشرات الفقر فيها 29.7% فى العام 2019 – 2020، بعدما كانت 32.3% فى 2017 – 2018، وفقا للواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أى إن ثلث عدد سكانها يطوقهم حزام الفقر والعوز.
مصر لا تنام على «ريش نعام» كما يتصور البعض، وليس من مصلحة أحد ادعاء ذلك، أو محاولة تجميل الواقع الصعب، لأن الحكومة نفسها تعمل ليلا ونهارا على تطويق ومحاصرة ظاهرة الفقر، ومعالجة تداعياتها على ملايين المصريين من دون أن تدعى فى يوم من الأيام تمكنها من «إنهاء المهمة».
أخيرا ليس من حق أحد أن ينصّب نفسه حاميا ومدافعا عن صورة مصر، أو قاضيا يعاقب من يطرح أفكارا مختلفة.. فالفكر يواجه بالفكر والإبداع يرد عليه بالإبداع، والإصرار على منع أى صوت مختلف ومحاصرته وإرهابه لن يكون فى صالح الوطن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved