الفرق البحثية

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 22 أكتوبر 2022 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

عندما بدأت رحلتى للدكتوراه منذ أكثر من عقدين من الزمان فى أمريكا كان موضوع الفريق البحثى جديدا على، فالحال وقتها فى مصر أن الطالب يعمل فى رسالته للماجستير أو الدكتوراه مع الأستاذ المشرف ويتقابل الأستاذ مع الطالب كل مدة لمناقشة تطور البحث الذى يعمل فيه الطالب وفقط. لكن عندما ذهبت إلى أمريكا كان هناك عدة أشخاص يعملون مع الأستاذ المشرف، كل منهم يعمل فى نقطة مختلفة فى إطار مشروع بحثى واحد، يجلس هؤلاء الطلاب فى مكان واحد فى الجامعة كل فى مكتبه لكن المكان مفتوح ويسمح بالمناقشة بين الطلاب لتبادل الأفكار والنصائح، هناك اجتماع فردى بين كل طالب والأستاذ وهناك اجتماع للمجوعة كلها مع الأستاذ. هذه الاجتماعات تتم أسبوعيًا على الأقل إن لم يكن أكثر إذا كان هناك موعد لتسليم بحث جديد. بل إن هناك قاعات يجلس بها طلاب كثيرون تعمل كل مجموعة منهم مع أستاذ مختلف، لكن هؤلاء الأستاذة يعملون فى نفس التخصص، وهذا يتيح مناقشات أكثر ثراء، بل إن الطالب يأخذ رأى زملائه فى بحث يكتبه ويحاول كل منهم أن يمده بنصائح لتحسين هذا البحث، هذه الفرق البحثية هى موضوع مقالنا اليوم.
الفريق البحثى الجيد يكون إنتاجه العلمى أفضل من إنتاج مجموع كل فرد فيه على حدة، لكن ما هى صفات الفريق البحثى الجيد؟ من الصفات الهامة أن يكون هناك تنوع فى أفراد الفريق من حيث النوع (رجال ونساء) والمنطقة التى جاء منها أفراد الفريق سواء من دول مختلفة أو من مناطق جغرافية متباينة، السبب فى هذا أن النوع والمنطقة يؤثران فى طريقة تفكير الشخص وبالتالى عندما يتكون فريق من أشخاص متباينين فى طرق التفكير فإن كلا منهم سينظر إلى المشكلة البحثية التى يعمل عليها الفريق من زاوية مختلفة، فتعدد الزوايا التى ننظر بها إلى مشكلة وهو ما يؤدى إلى الوصول إلى حلول أفضل من تلك التى نصل إليها عن طريق زاوية واحدة ضيقة. حتى تتحقق تلك الفائدة يجب أن يكون كل أفراد الفريق البحثى متساوين من حيث الدرجة فى الفريق، أى أنه لا يوجد شخص له سلطة على أعضاء الفريق غير الأستاذ المشرف طبعا وإلا خشى باقى الأعضاء أن يخالفوه فى الرأى. يجب أن يتباين أفراد الفريق أيضا من حيث القدرات فمنهم من يمتلك قدرات تحليلية وآخر يمتلك القدرة على التخيل إلخ. كل ما ذكرناه من صفات الفريق البحثى الجيد يحتاج إلى مايسترو يجعل كل تلك التروس تعمل بتناغم وهو الأستاذ المشرف.
مسئولية المشرف تشمل تهيئة الظروف لصناعة فريق يتميز بالصفات التى ذكرناها. فالأستاذ المشرف يجب عليه تعيين أعضاء الفريق البحثى ليس فقط تبعا للتقدير العام عند التخرج وطبعا ليس عن طريق الواسطة لكن يجب تعيين الطلبة متباينى القدرات كما ذكرنا. الأستاذ يعمل فى مشكلة بحثية كبيرة يتم تقسيمها لمشكلات بحثية أصغر وكل طالب أو أكثر يعمل على واحدة من تلك المشكلات، ويجب على الأستاذ إعطاء كل طالب المشكلة البحثية التى تناسبه فكما للطلاب شخصيات فإن للمشكلات البحثية شخصيات أيضا وقد تحدثنا فى هذا الموضوع فى مقال سابق. المشرف أيضا يجب أن يجعل أعضاء الفريق يشعرون أنهم متساوون ولهم حرية إبداء الآراء حتى ولو كانت ضد آراء المشرف، لذلك نجد الكثير من الأساتذة يأخذون طلابهم فى رحلات ترفيهية وما شابه حتى يشعر الجميع أنهم أسرة واحدة.
إذا تم كل ذلك بنجاح فإن النتائج عادة تكون عظيمة سواء فى الإنتاج العلمى أو فى تخريج باحثين يكونون نواة لمجتمع علمى قوى. العامل الأقوى الذى يقف حائلا دون تحقيق هذا الهدف عندنا فى مصر هو الوقت، وأقصد بالوقت هنا عدد الساعات التى يقضيها الباحث سواء الطالب أو الأستاذ فى البحث العلمى فى اليوم، عندما يكون مرتب الأستاذ الجامعى لا يكاد يكفيه فإنه يضطر للعمل فى عدة أماكن أخرى حتى يتمكن من إعالة أهله مما يترك له وقتا أقل وحماسا فاترا للبحث العلمى والاجتماع المستمر مع الطلاب. قد نرى هذا العامل بدأ يقل فى الجامعات الخاصة والأهلية فى مصر لأن مرتباتها أصبحت معقولة بالنسبة للأستاذة لكن ماذا عن الطلاب؟ طالب الدراسات العليا يكون عادة فى مرحلة تكوين أسرة وبالتالى يحتاج إلى مرتب يساعده على ذلك، فهل نعطى هذا الباحث ما يكفيه ليظل فى المعمل طوال اليوم؟ العامل الثانى أمام تحقيق حلم الفريق البحثى القوى عندنا هو وجود قلة من الأفراد الذين يخافون على مكانتهم العلمية (الهشة) من الباحثين الآخرين فلا يساعدونهم، بل ويحاربونهم.
نحن لا تنقصنا المهارات ولا الذكاء ولا العلم فهلا نزيل تلك المعوقات؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved