درس الصين الذى لم نتعلمه

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 22 نوفمبر 2009 - 9:42 ص بتوقيت القاهرة

 
الكتابات التى تابعت وقائع مؤتمر شرم الشيخ الأخير حول الصين وأفريقيا ركزت على التعاون مع الصين دون التعلم منها. علما بأن مسألة «التعاون» هذه محل نظر، لأنها لا تعنى إلا أحد أمرين تقديم المساعدات الصينية إلى دول القارة، أو فتح أسواق تلك الدول أمام السلع الصينية،

وهو ما يجعل اليد العليا للصين فى الحالتين، فى حين تظل اليد السفلى من نصيب كل دول القارة. وقد ذهبت بعض صحفنا فى المبالغة حدا جعل إحداها تصف انعقاد المؤتمر باعتباره «تحالف الأصفر والأسود»،

وهو ما ذكرنى بتعليق للشيخ محمد الغزالى سمعته منه حين قرأ فى إحدى الصحف أن وزير الخارجية لإحدى الدول الخليجية اجتمع مع «نظيره» الأمريكى. إذ قال ضاحكا، نظيره مرة واحدة، ما الدليل على ذلك؟!

لسنا بصدد تعاون ولا تحالف، لأننا لسنا فى موقف الأنداد، كما أن الصين ليست جمعية خيرية تتبرع بالعون ولكنها دولة كبرى لها مصالح وأهداف استراتيجية تتوخاها، ولا يعيبها ذلك.

وهى النجم الصاعد الذى يعمل الجميع حسابه فى القرن الواحد والعشرين، ولا غضاضة فى الاستفادة من معوناتها وخبراتها، وهذه الاستفادة ينبغى أن تكون واعية وحذرة، بحيث لا تؤدى مثلا إلى تعزيز الوجود البشرى الصينى الذى ظهرت مقدماته فى عدد من العواصم الأفريقية، وهى الملاحظة الصائبة التى عبر عنها وزير الخارجية الليبى موسى كوسا، عقب الجلسة الافتتاحية لمؤتمر شرم الشيخ.

لست مشغولا فى الوقت الراهن بتكييف العلاقة مع الصين، ولكنى تطرقت إلى نقد مسألة التعاون والتحالف من باب التعبير عن الغيظ فقط إزاء استخدام مفردات اللغة فى التدليس على القارئ وإعطائه انطباعات مغلوطة، بحسن أو سوء نية، ذلك أن شاغلى الأساس ينصب على درس الصين وليست منتجاتها أو معوناتها.

ذلك أن الخبراء المتابعين للتجربة الصينية لهم كلام كثير حول العوامل التى أدت إلى إنجاحها بالشكل المثير الذى تشهده الآن، لكن ما يهمنى فى هذه العوامل أمران تمنيت أن نستعيدهما ونسلط الضوء عليهما فى مناسبة انعقاد المؤتمر، الأمر الأول أن الزيادة السكانية ليست عبئا دائما ولا هى كارثة إلا عند الذين يفشلون فى التعامل معها، وتحويلها إلى طاقة إنتاج مضافة، وهذه الزيادة تشكل عائقا يحول دون التقدم فى حالة واحدة. تتمثل فى فشل السلطة التى تدير المجتمع فى استثمارها على نحو رشيد، بحيث تتحول إلى رافعة للتقدم وليس قيدا يكرس التخلف.

ان المسئولين فى بلد مثل مصر لا يكفون عن تقريع المجتمع لأن نموه السكانى يصدمهم ويفشل خططهم للتنمية، فى حين أن معدلات النمو معروفة للكافة ولا مفاجأة فيها. والمفاجأة الوحيدة انهم يخفون عجزهم عن تلبية احتياجات ذلك النمو ويستعيضون عن ذلك بلوم الناس والتنديد بهم، ورغم فشلهم هذا، فإنهم يظلون متمسكين ببقائهم فى السلطة وإصرارهم على احتكارها. يشجعهم على ذلك أنهم مطمئنون إلى أن أحدا لن يحاسبهم على عجزهم وفشلهم.

الأمر الثانى أنه ليس فى التقدم سر لأن قوانينه معروفة والشرط الوحيد المطلوب لتحقيق النهوض باستخدام تلك القوانين هو توافر العزيمة الجادة والإرادة المستقلة. وهى النقطة التى ألمحت إليها فى المؤتمر الذى عقد مؤخرا فى دبى لإطلاق تقرير المعرفة العربى لعام 2009 الذى صدر بالتعاون بين البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد.

وكان التقرير قد أكد على ضرورة توافر ثلاثة عوامل لتحقيق النهضة، هى المعرفة والحرية والتنمية. إذ قلت إن تلك عوامل مهمة لا ريب، لكن تجربة الصين أثبتت أن التنمية يمكن أن تتم فى غيبة الحرية، وأنه إذا توافرت العزيمة والإرادة المستقلة فإن ذلك الهدف يمكن بلوغه بغير عقبات.

وليس ذلك إقلالا من شأن الحرية التى تكفلها الديمقراطية، والتى توفر للتنمية بعدا إنسانيا ضروريا، وإنما تأكيدا على دور الإرادة المستقلة فى إطلاق عملية التنمية، وكون التلازم ليس شرطيا بينها وبين الحرية.

لا يعيبنا ألا نكون أندادا للصين أو لغيرها من الدول الكبرى، لكن يعيبنا أن ندعى لأنفسنا ندية مزيفة، كما يعيبنا ألا نتعلم من خبرات غيرنا وفضائلهم لكى نعزز من قدراتنا الذاتية، بما يحقق النهوض لأمتنا ويحفر لها مكانتها فى مجرى التاريخ، بدلا من أن تبقى خارجة أو متفرجة عليه.






هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved