الفراعين الكبيرة والأكبر منها

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الإثنين 22 نوفمبر 2010 - 10:26 ص بتوقيت القاهرة

 عندما كنت أسمع المثل عميق المغزى «قالوا لفرعون إيش فرعنك قال علشان مالقيتش حد يردنى» كنت فى كل مرة أسمع فيها هذا المثل، والذى اعتاد الناس على إطلاقه عند العجز عن مواجهة أصغر فرعون إلى الأكبر، كنت أسأل نفسى: وكيف يردونه؟. وبعد لحظات أجد نفسى وقد وجدت وسائل متعددة للرد، مرة قانونية برفع الدعاوى القضائية على الفراعين، ومرة بفضحهم، ومرات بالقوة الناعمة. وعندما كنت أسرح بخيالى لما هو أكثر من ذلك أجدنى وقد ارتجفت خوفا من أن يرى أحد الفراعين ما يدور فى مخيلتى، ومسرعة أتراجع معلنة الاكتفاء بالدعاء عليهم لعلهم يرتدعون. وإذا لم يرتدعوا فالله سوف يردعهم يوما ما.

ولكن عندما تفرعن فرعون صغير مؤخرا وهو المالك السعودى للشركة التى اشترت فندقى المريديان على النيل، وشيراتون الغردقة وأغلقتهما 20 سنة. وبمنتهى القوة تقدم للنائب العام يشكو رئيس الشركة القابضة للسياحة متهما إياه بأنه تعمد الإساءة إليه فى وسائل الإعلام ــ عندما فعل ذلك لم أستطع أن أخفى رغبتى الدفينة فى استخدام كل أساليب الردع المشروع منها، وغير المشروع لرد هذا الفرعون.

فهل كان من المشروع لهذا المستثمر أن يشترى فندقين منذ عشرين سنة، وداخل بلد ليس بلده، وأرض ليست أرضه، ويأخذ قرارا منفردا بإغلاقهما، وأن يتسبب فى خسارة للاقتصاد المصرى قدرها الجهاز المركزى للمحاسبات بنحو 17 مليار جنيه طبقا لما نشرته جريدة المصرى اليوم، دون أن يرده مسئول واحد لديه قطرة دم أو حتى ماء.

أى فرعون هذا الذى بدلا من أن يقدم اعتذارا للشعب المصرى على استهتاره بجزء من أرض هذا البلد، الذى اعتبر أن شراءه لها يخول له أن يوقف حال أهلها، ويؤثر فى حركة السياحة لديها. أى فرعون هذا الذى يتفاخر فى دعواه أمام النائب العام بأن الشركة القابضة للسياحة فى مصر ليست لها ولاية عليه، وبأنها لا تستطيع أن تسحب منه الفندقين، وكأنه ورثهما عن السيد والده.

أى فرعون هذا الذى يستنكر على البلد الذى باعت له هذين الفندقين ألا يكون من حقها أن تعاقبه على غلق فندق على النيل، كان يدر عليها الملايين، ففضلته عن موازناتها، وأعطته دجاجة لا تبيض ذهبا ولكنه الألماس. ومنحته فندقا فى الغردقة شاملا الأرض الموصلة له على مساحة 88 فدانا بـ15 مليون دولار. فأغلقه وجعله مرتعا للفئران، وحوله إلى خرابة بدلا من تنميته، وتوسعته.

كيف وصل حد الفرعنة بهذا المستثمر أن يوقع بروتوكولا مع الشركة القابضة للسياحة فى أكتوبر من العام الماضى يقضى بضرورة تشغيل فندق المريديان خلال 40 شهرا، ومع ذلك لم يعر الأمر اهتماما بالرغم من مرور سنة على توقيع البروتوكول.

ولكن الحمد لله أن المستثمر السعودى بلغ ما بلغه من الفرعنة، لكى يكشف لنا إلى أى مدى وصل الحد بالفراعين من كبار المسئولين فى مصر، الذين نصبتهم الدولة حراسا على ما يملكه عموم الناس. هؤلاء المسئولون الذين ندفع نحن لهم أجورهم من حر مال الضرائب التى تحصلها الدولة منا، يتصرفون فيما نملك جميعا بهذا القدر من التهاون. أى يبيعون لمستثمر فندقا على أحلى موقع على البحر الأحمر، وآخر على النيل، ويصبرون عليه ما يقرب من ربع قرن، وهو يلهو بهما دون أن يستشعر أحد المسئولين الحرج من استغفال الحكومة.

وبدلا من أن يغلى الدم فى «نافوخ» مسئول حكومى واحد من استهانة المستثمر السعودى، وإمعانه فى عدم الاستجابة لكل المحاولات التى تقوم بها الحكومة طوال 20 سنة لاستنهاضه لتشغيل الفندقين، نجد أن الشركة القابضة للسياحة توقع معه بروتوكولا يعطى للمستثمر السعودى مهلة جديدة تقرب من سنتين. وكأن ما عجز عن القيام به طوال عقدين سوف يستطيع فعله خلال سنتين.

ويبدو أن المسئولين لديهم متعة خاصة فى رفع ضغط المصريين، أكثر مما هو عليه، فيخرج علينا مسئول سياحى ليقول إن المستثمر السعودى الذى اشترى المتر من شيراتون الغردقة بـ5 جنيهات، يستطيع الآن أن يبيع نفس المتر بـ12 ألف جنيه. ويقول بعضمة لسانه إن تونس طردت نفس هذا المستثمر بعد أن كرر نفس المسلك هناك. أما نحن فلا نستطيع أن نفعل ذلك لأننا نحترم القانون!. أى قانون هذا الذى تحترمونه وهو يستهين بقطعة من نيل وبحر مصر؟.

فإذا كان المستثمر السعودى تفرعن لأنه لم يجد مسئولا واحدا يوقفه عند حده. وتفرعن المسئول المصرى هو الآخر لأنه لم يجد رأيا عاما يرده. فآن الأوان أن تجرب الناس أن تتفرعن، وعندها حتما ستتقزم كل الفراعين الصغيرة والكبيرة. فلكل فرعون هناك الأكبر منه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved