نظرة فابتسامة أو...

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 22 نوفمبر 2020 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

ربما من محاسنه؟ ربما؟ من هو؟ الفيروس الأكثر شهرة فى حياتنا طبعا، ذاك الذى وحّد أنماط حياتنا لتصبح كلها متشابهة من تايمز سكوير حتى كل «السكويرات» فى كل مدن الكون..
جلسات شرب القهوة الصباحية أو «شاى الضحى» فى بعض الدول و«الهاى تى» أو حتى «الهابى أور» كلها أصبحت «فيرتوال» يعنى من بعيد لبعيد أو كما يقول المثل «روح بعيد وتعال سالم» رغم أنه قيل لمناسبات أخرى ولكن فى مسألة الكورونا البعد أسلم!!! كثرة الاجتماعات والحوارات واللقاءات الأسرية والصداقية وغيرها عبر السكايب أو الزووم أو التيمز أو برامج كثيرة أخرى. صديقتى تقول «اقتربت أكثر من معرفة من هم أصدقائى الحقيقيون وأصبحت أختار وأركز مع بعضهم فقط.. مش مضطره لأحاديث سخيفة ومجاملات».. وهى، أى الصديقة، تقول أيضا ارتحت من الاضطرار للمصافحة والقبلات لمن لا أحمل لهم احتراما قبل الود.. شديدة الحساسية هى وكثيرة المعارف أيضا ورغم ذلك تحولت بفعل البعد أو الفيروس الشهير إلى شخص شديد الحرص على شلة من الصديقات والأصدقاء فقط وحتى بين أفراد عائلتها صارت تردد «لست مضطرة إلا لمن يكن لى المحبة بمثل ما أحب»..
هى نموذج ليس بالنادر بل جدير بالدراسة فى زمن الكورونا، كثير من الأصدقاء قالوا أصبحنا نختار من بين أصدقائنا. فيما آخرون فتحوا الأبواب وشرعوها بحثا عن من يكسرون معه أو معها روتين العزلة المنزلية المملة أحيانا، خاصة لمن لا يرى فى بيته «سكنا» وليس منزلا وهناك فرق بين الاثنين، كما تعريف المساكنة بعيدا عن التبسيط الذى تستخدم فيه كثيرا فى الأحاديث الجانبية المملة هذه المفردة «المساكنة».. فالمساكنة هى أن ترى فى كل قطعة وتفصيل من المكان الذى اخترت أن يكون سكنا لك، ترى فيه جزءا مكملا لحياتك رسمته عبر سنين من تراكمات فى التجارب والتنقل والتعرف على الآخر من ثقافات وعادات وأشكال جمالية وليس مظهرا تزين به غرفة لتبهر به ضيوفك.. بل ربما هى ذاك التمثال الذى أهداك إياه يوم التقيتما خلسة وسرقة فى تلك المدينة وكانت صدفة أيضا فجرى بين لقائين ليبحث عن هدية ليست عادية بل تبقى فى غرفة نومك تصبحك وتمسيك فتبتسمين ويفرح هو!
***
أما صديقتى الأخرى فهى تمتلك شبكة علاقات من كازاخستان مرورا بالهند واليابان وانعطافا عند كثير من دول منطقتنا.. هى التى رحلت منذ سنواتها الأولى بعيدا عن سكنها الأول وانتشرت، بل وجدت نفسها فى كل مدينة حطت فيها. لبست ملابسهم، تعلمت عاداتهم، بل أحبتها، وكثيرا ما تقمصتها فى حياتها رغم أنها لم تبعد عن طمى النيل بعيدا.. هى وفى زمن الفيروس راحت تنبش بين الأسماء، تتذكرها رغم أن الملامح شابها كثير من التغيير إذا ما صدقت الصور! بعضنا لا يزال يفضل أن يلصق صورته أو صورتها وهم فى العشرين بعد أن عبروا العقد الخامس أو السادس من العمر! «الكبر شين» كانت تقول جدتى وهى محقة، خاصة عندما كانت تفصل أن الملامح وتفاصيل الجسد تتغير إلى ما لا يعجب الكثيرين غير المقتنعين أن لكل سن جماله..
صديقتى هذه علمتنا، نحن تلك الشلة الصغيرة أحيانا والواسعة وسع الأرض كثيرا، أن وسائل التواصل ليست فقط للاطمئنان ومعرفة الأخبار، بل ربما لنعيد معرفة أولئك الذين عبروا أيامنا البعيدة ومروا مرور الكرام أو ربما كنا نحن من مر هكذا كالخيال.. هى وهو كانا معا فى الجامعة.. هو الشاب الوسيم الذى كان نشطا فى الحركات الطلابية والسياسية وهى كانت الفتاة المهتمة بدرسها ورياضتها فقط.. فلم يجتمعا رغم التقاء وتقاطع دروبهما..
وجدته أو وجدها على وسائل التواصل وبعد السؤال والجواب اللذين بدءا كمحاولة ربما من الاثنين إلى تمضية وقت الكورونا بعيدا عن نوبات الاكتئاب المنتشرة، تحولت تلك الرسائل إلى مكالمات صوتية ثم سكايب بالصوت والصورة! نظرة، فابتسامة، فلقاء، فـ...! هكذا كان يقال زمان بل زمان جدا. الآن أصبحت رسالة على الفيسبوك، ثم الماسنجر وبعدها لقاءات مفتوحة تمتد لساعات دون إزعاج النادل الذى يسأل عن طلباتكم فى تلك القهوة أو حتى عيون المارة أو الجالسين.. لا أحد سواك أنت وهو وثالثكم ذكريات لمرحلة من العمر وتراكم خبرات علمتكما أن الحياة تقتنص وأن اللحظة التى تأتى لن تعود أبدا.. هو قال لها ذلك ودعم كلامه بكثير من كتابات الفلاسفة، فهو القارئ المطلع الذى أكثر من الأسئلة حتى بعدت به الإجابات عن معاشرة الكثيرين..
***
تروى تلك الحكاية بتفاصيلها والورود الحمراء بمكتبها ثم اللقاءات والارتباط بأشكاله المختلفة. تسألنا «مجنونة صح؟؟» أو «طيشة» فترد عليها أكبرنا بغنج المراهقة.
«لا جنون فى العشق» والعشق يختلف من مرحلة عمرية لأخرى ولكنه يبقى هو هو، ذاك الذى يدفعك لفعل غير المتوقع..
هذه ربما أكبر حسنات ذاك الفيروس الشرير وتلك الوسائل الشيطانية ربما؟!
كاتبة بحرينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved