أين مركز الدراسات الأمريكية؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأربعاء 22 ديسمبر 2010 - 10:50 ص بتوقيت القاهرة

خلال زيارة قصيرة للقاهرة الأسبوع الماضى، جمعنى نقاش مع مجموعة من الإعلاميين والأكاديميين، تأكدت من خلاله عدم وجود مراكز متخصصة فى دراسة الشئون الأمريكية، ورغم تأكيد البعض أن هناك مركزين للدراسات الأمريكية، الأول فى جامعة القاهرة والثانى فى الجامعة الأمريكية، إلا أن المناقشة عدتهما فى سجل الأموات نظرا لعدم وجود أى تأثير حقيقى لهما.

ويعد استمرار غياب وجود مراكز دراسات متخصصة فى الشئون الأمريكية ظاهرة غامضة لا يمكن فهمها، كون ذلك يمثل فجوة خطيرة لا تصب فى خدمة مصالحنا المباشرة، ولا يتفق مع مسعى الحكومة المصرية وتجمعات رجال الأعمال فى علاقات أفضل مع واشنطن.

ويعتبر غياب وجود فرق شابة من الباحثين المصريين، تنحصر مهمتهم الأساسية فى التخصص فقط فى الشئون الأمريكية، فراغا استراتيجيا خطيرا ندفع ثمنه كل يوم.

فى الوقت نفسه تمتلئ واشنطن بمن يطلق عليهم صوابا أو خطأ خبراء وباحثون فى الشئون المصرية والشرق أوسطية، يتمتعون بنفوذ كبير فى تشكيل العلاقات المصرية الأمريكية بما يدرسونه ويقدمونه فى صورة تقارير أو بدائل لسياسات تتعلق بالتعامل مع قضايا مصر والمنطقة لصانعى القرار الأمريكى، كما أنهم يساهمون فى تشكيل فهم الشعب الأمريكى لقضايانا من خلال ظهورهم المتكرر فى وسائل الإعلام الأمريكية.

«جماعة عمل مصر» التى تعدها الحكومة المصرية عدوا لها داخل واشنطن، ما هى إلا مجموعة من الخبراء والباحثين (قليل منهم فقط متخصص فى الشأن المصرى)، إلا أنها تسبب الكثير من الصداع للعلاقات المصرية الأمريكية.

هناك فى الولايات المتحدة من درس «نظام اختيار العمد فى صعيد مصر» ومنهم من درس «روايات الدكتور علاء الأسوانى»، ومنهم من يدرس محاكم الأسرة المصرية»، ويراكم كل هذا معرفة حقيقية قوية بالشئون المصرية، أما نحن فقد اختزلنا معارفنا بالولايات المتحدة فى محاولة فهم سياساتها فى فلسطين والعراق وأفغانستان.

لماذا لا توجد غرف تجارية مشتركة بين محافظة دمياط وولاية بنسلفانيا أو برامج تبادل أساتذة بين جامعة المنوفية وجامعة ولاية أوهايو! فى وقت توجد الكثير من هذه النماذج من الاحتكاك والتواصل مع نظرائهم فى إسرائيل.

مركز أبحاث متخصص يضم عشرات الباحثين والمتخصصين فى الشئون الأمريكية من المتفرغين، ممن يمكن تجميعهم من جهات عديدة على رأسها كلية الاقتصاد العلوم السياسية أو الجامعة الأمريكية، أو من بين آلاف المصريين ممن تلقوا تعليمهم هناك.

يتفرغ هؤلاء الباحثون بعد أن يتم تقسيمهم للتخصص فى عدد معين من الولايات الأمريكية الخمسين، ودراسة موضوعات أمريكية محددة من بين الأديان أو السينما والأقليات أو الكتاب أو الإعلام أو التكنولوجيا أو الكونجرس أو السينما.. الخ.

وينتظم هؤلاء الباحثون فى عملهم البحثى بصفة يومية مستقرة ودائمة، ويحتكون بالولايات التى سيتخصصون فيها (نعم يجب أن يكون هناك متخصصون فى ولاية كاليفورنيا أو ولاية أوكلاهوما!) ويتواصلون مع جامعاتها، ويتعرفون على وسائل الإعلام بها، وبأهم شركاتها ومؤسستها وسياسيوها. ويتيح «مركز الدراسات الأمريكية المفترض» لباحثيه فرص السفر والمشاركة فى برامج دراسات فى جامعات تلك الولايات ومراكزها البحثية.

وبعد فترة قصيرة من الزمن (سنتين مثلا) يبدأ المركز فى تقديم رؤى موضوعية وغير حكومية تتعرض للعديد من القضايا المهمة المصرية الأمريكية غير المفهومة لنا، مثل قضية «اتفاقية التجارة الحرة» التى تريدها القاهرة وترفضها واشنطن، أو قضية «مستقبل العلاقات العسكرية بين الدولتين» أو «قضية التبادل البحثى والأكاديمى».

وهناك العديد من الجهات التى ستستفيد من مؤسسية وجهود هذا المركز، بدءا من الجهات الحكومية المتعددة التى تتعامل مع واشنطن، إلى تجمعات رجال الأعمال التى لهم مصالح واضحة هنا وهناك، والإعلام الذى سيتوفر له خبراء حقيقيون فى الشأن الأمريكى
.
ويجب الابتعاد عن الطبيعة «الموسمية» للمركز الجديد وأن يعمل بصورة دائمة بعيدا عن مناسبة معينة أو مبادرة مؤقتة. وستتمتع جهود المركز الجديد بطبيعة «مؤسسية» و«مستمرة»، وتبتعد عن جهود «العلاقات العامة المؤقتة» التى يقوم بها الكثيرون ممن لهم علاقات مع الولايات المتحدة.

إلا أنه لا يجب سجن فرق العمل البحثية فى إطار الاطلاع والمعرفة النظرى فقط، ومثاليا سيتم الاستعانة بهم من جهات حكومية أو الغرف التجارية أو مؤسسات الأعمال الكبيرة من أجل الاستفادة المباشرة بهم، وهذا النموذج موجود بوضوح فى الولايات المتحدة، إذ إن الباحث يعمل لعدة سنوات فى الحكومة أو جامعة أو مؤسسة أعمال، ثم يعود للعمل البحثى مدعما بثراء الخبرة العملية والحكومية.

الكثيرون ينتظرون ويحلمون بتغيير جوهرى فى السياسة الخارجية الأمريكية من أجل فرض سلام عادل فى الشرق الأوسط! وعدم التدخل فى شئوننا الداخلية! ومثل هذه الأحلام مجرد أوهام، وأجدر بنا أن نتخلص من الخوف المتحكم فى تعاملنا مع الولايات المتحدة، وأن نبدأ قدر المستطاع بمحاولة المشاركة والتأثير فى عملية صنع القرار السياسى الأمريكي، وأولى هذه الخطوات وأهمها هى وجود الكثيرين من المتخصصين والفاهمين للشأن الأمريكى بتفاصيله وخباياه.

ويعد عنصر التمويل تحديا أساسيا للمركز المقترح، إلا أنها يمكن أن تأتى من رسوم العضوية ومحصلة بيع المطبوعات التى يصدرها المركز، كذلك يمكن أن يغدق العديد من أثرياء المجتمع المصرى ممن لهم اهتمام بالشأن العام، إلى جانب كبريات الشركات المصرية التى لها مصالح فى السوق الأمريكية من أجل تأسيس مثل هذا المركز غير الحكومى.

ومن المهم بمكان ألا ننغلق على دراسة وفهم الولايات المتحدة فقط، الصين وحدها أيضا تستحق مركزا مستقلا لدراستها، وكذلك القوى الصاعدة مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا والهند التى ما زلنا لا نعلم عن تجاربهم الكثير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved