المستفيقون الجدد

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

ومن مفارقات 2015 أن بعض الكتاب والإعلاميين الذين يخرجون اليوم على الناس محذرين من الآثار الخطيرة لموت السياسة ومسجلين رفضهم لهيمنة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على إدارة شؤون الحكم، كانوا ممن وظفوا مساحاتهم فى المجال العام لتسويق السلطوية الجديدة منذ لحظة ميلادها فى صيف 2013، وللتبشير بإنقاذها المؤكد للوطن وللدولة، ولتجهيل الرأى العام بوقائع وتفاصيل الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان والحريات.

بل إن هؤلاء الكتاب والإعلاميين الذين يتبنون اليوم قراءة نقدية للكيفية التى أدارت بها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مشهد «الانتخابات البرلمانية 2015» وللتشكيل المفتت وغير الحزبى الذى أنتجته للمؤسسة التشريعية، كانوا ممن تقدموا الصفوف خلال العامين الماضيين لصناعة نظرة بالغة السلبية للأحزاب السياسية وللحد من دورها فى العمل التنفيذى والتشريعى وفى عموم المجال العام. اتهمت الأحزاب بتكالبها على «المصالح الضيقة» وبالعجز عن الارتقاء إلى مقتضيات «المصلحة الوطنية» التى يصيغها رأس السلطة التنفيذية، ومن ثم تعالت أصداء المطالبة بضرورة استبدال كوادرها حين تشكيل المؤسسة التشريعية برجال قادرين على معاونة الرئيس. وقد مثلت هذه النظرة السلبية للأحزاب السياسية العنوان العريض لتحرك الأجهزة الأمنية لاختيار «رجال الرئيس» ولتمكينهم من الوصول إلى المؤسسة التشريعية.
وتلاقى أيضا تهميش الأحزاب، وفى سياقات أخرى الاستخفاف بأدوار منظمات المجتمع المدنى واتهامها الظالم بالسعى «وراء مصادر التمويل الخارجى»، مع ترويج نفس الكتاب والإعلاميين منذ صيف 2013 لكون التأييد الشعبى لوزير الدفاع السابق / رئيس الجمهورية الحالى يغنيه ابتداء وانتهاء عن «وساطات» الأحزاب والمجتمع المدنى ويضعه فى موقع القادر باستمرار على التواصل المباشر مع الناس. وبعيدا عن استراتيجيات الخوف وآليات فرض الرأى الواحد التى صنع من خلالها التأييد الشعبى للحاكم الفرد وبمعزل هنا عن التقلبات الحقيقية التى وردت عليه خلال العامين الماضيين، تقضى مقولة «الاستغناء الرئاسى» عن أدوار الأحزاب والمجتمع المدنى على جوهر السياسة وترسخ للسلطوية، شأنها فى ذلك شأن وهم التواصل المباشر بين الحاكم وبين الناس المختزلين إلى كتل جماهيرية صماء تدرك وتفكر وتفعل جماعيا.
فما الذى يدفع هذا النفر من الكتاب والإعلاميين إلى التحذير من موت السياسة ومن هيمنة الأجهزة الأمنية فى خواتيم 2015، وهم من أسهم بفاعلية فى تمرير الموت وتبرير الهيمنة منذ 2013؟
نظريا، تحضر هنا عدة احتمالات. فلربما أدت عبثية إدارة مشهد «الانتخابات البرلمانية 2015» إلى استفاقة هؤلاء الكتاب والإعلاميين من سباتهم السلطوى، وجعلتهم يرون حافة الهاوية التى تقف عليها مصر بعد أن أميتت السياسة وأطلقت يد الأجهزة وتراكمت انتهاكات الحقوق والحريات.
وربما صدمتهم اختيارات الأجهزة لرجال محسوبين على الرئيس وأداؤهم المتوقع حتما سيوغل فى نزع المصداقية والشرعية عن المؤسسة التشريعية، والأخيرة غير مرشحة للتعافى من انهيارات البدايات التى أحدثتها التدخلات الأمنية وسطوة المال الانتخابى المتحالف معها.
وربما تحرروا إلى حد ما من أوهام «التأييد الشعبى الكاسح» لرأس السلطة التنفيذية، ولم يتحايلوا على الرسالة السلبية التى حملها عزوف أغلبية المصريات والمصريين عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، ومن ثم يعمدون اليوم إلى دق ناقوس الخطر إن استمرت إدارة أمور الحكم على ما هى عليه.
وربما هى لعبة توزيع أدوار جديدة بين «الأذرع الإعلامية» للسلطوية، هدفها التحايل وتزييف الوعى. فيجهش بعض هؤلاء بالبكاء أمام الكاميرات لإعطاء «تأييدهم له وامتنانهم لقيادته وخوفهم عليه من المتآمرين» مسحة دراماتيكية مطلوبة لتنفيس عدم رضاء قطاعات شعبية مؤثرة، بينما يصعد آخرون من ملاحظاتهم النقدية بشأن أمور الحكم والسلطة لكى يستعيدوا مخادعة شىء من ثقة الناس ويتمكنوا بالتبعية من الإسهام فى تنفيس عدم الرضاء العام وتوجيهه بعيدا عن رأس السلطة التنفيذية.
تحضر جميع هذه الاحتمالات لتفسير ظاهرة «المستفيقين» من الكتاب والإعلاميين فى خواتيم 2015، غير أنها جميعا لا تنفى المحدودية الشديدة، إن لم يكن الغياب الكامل للمضمون الديمقراطى لتحذيراتهم من موت السياسة وسيطرة الأجهزة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved