..وأخيرًا: نحو مواجهة دولية جدية لـ«داعش»؟!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

أخيرا، وبعدما وصلت سكاكين سفاحى «داعش» إلى أعناق «الرجال البيض» فى أوروبا والولايات المتحدة، فضلا عن روسيا التى يشكل المسلمون نسبة ملحوظة من أهلها، هرعت الدول المختلفة على أمور كثيرة إلى مجلس الأمن الدولى لتتوافق على ضرورة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية فى «بلاد المنشأ»، أى المشرق العربى وتحديدا «بلاد الشام».

فى هذه الأثناء، وعبر المقارنة اليومية بين إنجازات النجدة الجوية الروسية لسوريا والنجدات الغربية المحدودة، وعبر الجو أيضا، للعراق، فى التصدى لتشكيلات «داعش» القتالية، تبدى الفارق الهائل بين ضربات الأسطول الروسى المعزز بأقوى أسباب الدفاع الجوى، وبين الغارات اليومية للطائرات الحربية الأمريكية خصوصا والغربية عموما، والتى تستهدف طوابير مقاتلى «داعش» الذين باتوا يملكون دبابات ومصفحات ومدافع مضادة للطائرات وأسطول نقل برى غنموها جميعا من ثكنات الجيش العراقى، أساسا، بعد احتلالهم الموصل ومناطق أخرى، أو من ثكنات الجيش السورى فى البادية السورية (تدمر خاصة) أو فى الطرق المفتوحة على بوادى العراق بعنوان الرقة ودير الزور وما بينهما.
فى هذه الأثناء أيضا، وعلى امتداد سنة ونصف السنة من إعلان «الخليفة أبو بكر البغدادى» إقامة دولته الإسلامية فى بلاد العراق والشام، كانت العائدات النفطية التى تصب فى خزينة هذه «الدولة» نقدا، سواء أباعها ـ بالواسطة ـ لتجار متعددى الجنسية يبيعونها من بعد للحكومة السورية، أو عبرت قوافله بها الحدود العراقية ـ التركية أو السورية ـ التركية لتباع فى تركيا مع حفظ حق الدولة فى أنقرة فى الربح، سواء اشترته لحسابها أو أعادت تصديره إلى من يحتاجه، وصودف ان كانت دولة العدو الإسرائيلى أكثر من يحتاجه فبيع لها..
على هذا أمكن «لدولة داعش» أن تعد «موازنة» تعتمد فى مواردها أساسا على دخلها من بيع النفط المنهوب، عراقيا وسوريا، والمبيع من دول كثيرة عبر الوسيط التركى... وقد جاءت أرقام هذه الموازنة «محترمة» وبمئات الملايين من الدولارات، برغم أنها لم تتضمن ما حصلته «داعش» من ريع الضرائب والرسوم، وفق الشرع!! ممن أخضعتهم لإجراءات «دولتها».
***
كانت الدولة فى العراق مفككة، أصلا، يضربها السرطان الطائفى وهو بعض التركة الثقيلة للغزو الأمريكى فى العام 2003 والذى أسقط الدولة ودمر مؤسساتها جميعا والجيش أساسا ونهب بعض ثروتها الوطنية، قبل أن يغذى «الفتنة» التى كانت بذورها كامنة، فاقم من خطورتها احتكار السلطة على امتداد ثمانين سنة على قاعدة مذهبية.
ومعروف أن الاحتلال الأمريكى قد غذى رد الفعل المذهبى حين اجتهد لنقل احتكار السلطة من طائفة إلى أخرى، فاتحا الباب أمام تصرفات انتقامية وسعت الشرخ بين «المكونين» الأساس فى أرض الرافدين ليمكن لهيمنته على الجميع، شيعة وسنة، عربا وكردا وأقليات عديدة.
هذه العوامل مجتمعة، مع انشغال السلطة فى بغداد بالصراع على السلطة والثروة، قد تساعد على تفسير الاختراق السهل الذى حققه تنظيم «داعش» فى العراق، وصولا إلى الموصل، التى اتخذها عاصمة مؤقتة ومنصة لإعلان «خلافته»... قبل أن يربط بين «ولاياته» فى العراق، وبين «الرقة» فى سوريا التى كان قد احتلها واتخذها منطلقا لنشر «الدعوة» وعاصمة مؤقتة فى قلب البادية السورية.
***
كان «الغرب» بعاصمته واشنطن، يتابع هذه الوقائع، ويتردد فى اتخاذ القرار بالتدخل، فلما اتخذه جاء ناقصا إذ اقتصر على إيفاد مجموعة من الطائرات الحربية، أمريكية أساسا، ثم عززها بأسراب نجدة شاركت فيها أستراليا وكندا، قبل أن يضرب «داعش» فى قلب فرنسا، بل قلب أوروبا: باريس... وحينها فقط تفاقم الإحساس بالخطر إلى حد إيفاد فرنسا حاملة الطائرات الوحيدة التى تملكها إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، ثم جاء الرئيس الفرنسى شخصيا ليطمئن إلى تموضعها الصحيح ودخولها المعركة بقدراتها الخارقة التى لم تؤثر كثيرا على مسار «الحرب».
أما الروس فقد أحسنوا تقدير الموقف العسكرى فى سوريا، أساسا، ثم فى جوارها العراقى بداية ومن بعده التركى. كان تقديرهم أن زحف «داعش» لن يتوقف إلا بتدخل عسكرى حاسم، خصوصا وأن قوات النظام فى دمشق باتت منهكة.
فى ظل هذه المخاطر قصد الرئيس السورى بشار الأسد إلى موسكو طالبا نجدتها المباشرة والفعالة. وفى ذلك اللقاء الذى لم يحضره أى مسئول سورى إلى جانب الأسد، اتخذ الرئيس الروسى بوتين قراره الخطير الذى من شأنه أن يقلب التوازنات: لقد قرر أن يتدخل، وعبر الطيران المعزز بحماية فعالة، وبالصواريخ منطلقة من بحر قزوين كما من مدمرات على الساحل السورى.
***
أحدث القرار الروسى انقلابا فى الموقف الدولى، خصوصا وقد تعرضت طائراته، فى الأيام الأولى لتحرش تركى، إذ أسقطت طائرة حربية روسية بصواريخ تركية، بزعم أنها قد خرقت الأجواء التركية من دون إذن مسبق، وبعدما رفضت تحديد هويتها.
وتفجرت أزمة سياسية خطيرة ما زالت مفتوحة على احتمالات عسكرية شتى، خصوصا وقد ردت روسيا بما يمكن اعتباره عقوبات اقتصادية موجعة لتركيا، ورفضها مختلف التبريرات التركية.
وكان أن تزامن مع هذه الأزمة الخطيرة عمليات التفجير التى تعددت مواقعها فى قلب باريس، والتى شملت ملعبا رياضيا وناديا اجتماعيا فضلا عن أماكن تجمع أخرى، ذهب ضحيتها مائة وثلاثون قتيلا ومئات الجرحى... وقد ثبت أن منفذيها ينتمون إلى «داعش».
وصلت النار، إذن، إلى قلب الغرب وعاصمة النور فيه.. ولابد من التحرك. وبرغم التباعد بين المواقف المعلنة لكل من واشنطن وموسكو فقد كانت الحاجة تفرض الوحدة فى مواجهة الوضع الخطير الناجم عن هذا التمدد غير المسبوق لتنظيم «داعش»، فى الغرب... والذى تلاه تفجير فى سان فرانسيسكو سرعان ما تبناه «مجاهدان» ينتميان إلى التنظيم ذاته.
تواترت اللقاءات الروسية ـ الأمريكية، برغم التباين فى المواقف المعلنة. كان الجميع يستشعر خطورة تمدد نيران الإرهاب إلى قلب «عالم البيض». ولعل روسيا التى تعرف يقينا أن مئات من مقاتلى «داعش» وتنظيمات إرهابية أخرى بينها «النصرة»، قد وفدوا من بعض الجمهوريات الإسلامية فى الاتحاد الروسى.
وبعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات اتفق «الكبار» على دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد على قاعدة موقف موحد يتم تجسيده عبر قرار موحد فى إطار الشرعية الدولية ويقضى بضرورة المواجهة الجدية والحاسمة لتنظيم «داعش»..
* * *
فى انتظار تنفيذ هذا القرار الدولى، بكل تداعياته على الأنظمة العربية المتهالكة، تغيب فلسطين عن الاهتمام، عربيا بالأساس، وبالتالى دوليا.
تملأ الدماء خريطة المشرق العربى بمعظم دوله الأساسية وعواصمها ذات التاريخ المضىء وأبرزها دمشق وبغداد امتدادا إلى صنعاء التى لابد منها وإن طال السفر... علما بأن دولا أخرى طالها نصيب من العمليات الإرهابية بينها الكويت والسعودية، قبل أن ننتقل إلى دول المغرب حيث تتبدى ليبيا ممزقة الجنبات بالعمليات الإرهابية وتونس لا تكاد تفرغ من مسح آثار جريمة حتى تتفجر مذبحة أخرى، فضلا عن مصر التى تتركز العصابات فى بعض شمالى سيناء وإن مدت ذراعها فى حالات محدودة إلى قلب الوادى..
وتجرف أخبار المذابح التى ارتكبت وترتكب فى أنحاء مختلفة من الأرض العربية، الجرائم اليومية والتى يقدم عليها العدو الإسرائيلى مع سبق الإصرار والتعمد ضد شعب فلسطين الأعزل.
ولقد ابتدع هذا الشعب الذى لا تتعبه المقاومة وسائل وأسلحة جديدة لمواجهة عدوه المتعطش للدماء تعطشه إلى السيطرة على ما تبقى لشعب فلسطين من أرضها.
بين ما ابتدع الشعب المقاوم فى فلسطين: الدهس بالسيارة، الطعن بالسكين، فضلا عن رمى جنود العدو بالحجارة أو «تصيد» بعضهم عند المنعطفات أو فى الطرقات المعتمة... وهذا يؤكد روح المقاومة إلى حد الفداء لدى هذا الشعب العظيم المتروك لمصيره بين براثن السفاح الإسرائيلى.
اللافت أن جيلا جديدا من المناضلين من فتية شعب فلسطين قد دخلوا حومة النضال من أجل وطنهم المحتل، وقد زينتهم وأدخلت دما جديدا إلى الميدان صبايا فلسطين وفتياتها اللواتى ما زلن تحت سن البلوغ، واللواتى أبدين شجاعة فائقة فى التصدى لجنود الاحتلال بسكاكين المطبخ غالبا...
وبينما ينخرط المئات من الشباب العربى، جنبا إلى جنب مع وافدين أغراب من بلاد شتى فى مسلسل لا ينتهى من العمليات الإرهابية تستهدف بعض بلادهم فى مدنها وقراها بأهاليها المدنيين، وتفجر البيوت ومراكز الإنتاج كمحطات الكهرباء والمعاهد والمدارس وصولا إلى المستشفيات، فإن فلسطين تغيب عن أذهانهم تماما.
للمعلومات فقط فقد سقط خلال الشهور الثلاثة الماضية على أرض فلسطين 126 شهيدا.

رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية

اقتباس
اتفق «الكبار» على دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد على قاعدة موقف موحد يتم تجسيده عبر قرار موحد فى إطار الشرعية الدولية ويقضى بضرورة المواجهة الجدية والحاسمة لتنظيم «داعش».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved