انهيار الدبدوب العملاق

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 23 ديسمبر 2015 - 12:35 م بتوقيت القاهرة

..وفي عام 2015 المصري حصلنا على برلمان مثير للجدل قبل أن يولد، وعلى شهادة رسمية بموت الإعلام المصري حتى إشعار آخر.
بعد جدل الإقبال وسطوة المال السياسي، جاء المجلس الجديد “غير معبر عن تقدم حقيقى فى المسار الديمقراطى ولا عن استعداد الدولة لفتح المجال السياسى الذى جرى إغلاقه خلال العامين الماضيين”، كما كتب د. زياد بهاء الدين في “الشروق”، وتعرض المجلس قبل وبعد ميلاده العسير لاتهامات بأنه مجلس الموافقة والتحالفات الموالية، في ظل تعرض معظم الأحزاب للاختفاء “الطوعي”. ولفت موقع بي بي سي العربية إلى إحجام الشباب عن المشاركة في التصويت على البرلمان، واعتبرها إشارة لأنهم “لا ينتظرون الكثير من البرلمان القادم، بعد غياب القيادات الشبابية التي شاركت في ثورة يناير”.
غاب شباب يناير عن البرلمان، وحضر كل الخصوم.
المرشح الفائز وخبير الأعشاب الطبية اضطر للوقوف أمام كشافات الإعلام لينفي أنه “نصاب ببدلة وكرافتة، لأن الأحكام ضدي مازالت ابتدائية”. العضو المقبل أكد أنه “مفيش ثورة تانى فى مصر بعد 30 يونيو”، ومضى في سبيله لالتهام لجنة الشئون العربية “بحكم استثماراتي في السعودية والكويت، والبحرين”، والعرب يحبون الأعشاب.
توفيق عكاشة في أول تصريح له بعد النجاح قال إنه كان يكذب علينا ليؤدي دوره في التلاعب بالرأي العام، لصالح النظام السياسي.
المخرج خالد يوسف، المرشح الفائز، تعرض لحملة تشويه إعلامي وقانوني، لم تضع أوزراها حتى الآن، لكنها كانت كفيلة بكشف الدرك الذي انحدر إليه إعلام الحشد والتهويش من استهتار بمصائر الناس، وبعقول المشاهدين، وبالوطن على بعضه.
حراس المناخ الذي جعل المواطن يعزف عن المشاركة، يخططون لمجلس أليف، بلا معارضة نهائيا، يتزعمه تحالف أليف، اسمه تحالف دعم مصر، أكثر الكلمات استخداما في 2015.
سبعة تحالفات حملت اسم مصر خاضت الانتخابات، ثم فشلت المساعي حتى الآن في تحويلها إلى دبدوب عملاق يسيطر على المجلس، ويلقف ما قد يأفك المعارضون. فكرة وصفها المرشح الفائز عبد الرحيم بأنها “نسخة جديدة من صفقات الأجهزة الأمنية مع البرلمان”.
التحالف البرلماني المنتظر لدعم مصر انهار في أول اختبار، لأن التنافس بين نواب الشعب أصبح على القرب من النظام، وليس على كسب ثقة الشعب، والجدارة بها. تماما كما تصدع الإعلام المصري على الهواء مباشرة، وهو يتراشق الاتهامات والتهديدات، حتى يتبين أي الطرفين أولى برعاية النظام.
يعيش الإعلام أزمة ثقة مع جمهور لم يعد يجد لديه المعلومة والحياد والموضوع المفيد.
في هذا العام سمع أهلنا من الإعلام عن ماس كهربائي حرق الطائرة الروسية، وعن مجلس إدارة العالم، وعن مقاطع حميمة مفبركة. سمع عن سرقة صور خاصة من موبايل ضيفة بأحد البرامج، وعرف أمس الأول أن “الشعب الأثيوبي عامل ثورة لإسقاط النظام علشان خاطر مصر”. أصبح الإعلام ونجومه المادة الخام للناس على القهاوي ومواقع التواصل، وليس العكس كما هو المفروض.
على الجانب الآخر يعيش الإعلام أزمة مع الدولة التي تحاصره بالخطوط الحمراء والخضراء، وتلاعبه كما يفعل مدربو السيرك مع الوحوش. الإعلام الذي وصفه نظام الإخوان بسحرة فرعون، هو الذي عاتبه الرئيس السيسي، واتهمه بالبعد عن الجدية والفائدة. لكن حراس المناخ الراهن ذهبوا إلى ما هو أكثر من العتاب، فظهرت القوائم البيضاء والسوداء لمؤسسات إعلامية أو كتاب، وانصرف عن المهنة صحفيون موهوبون، وجلس البعض في بيته انتظارا للفقرة التالية.
وفي هذا العام تعهدت إحدى الصحف الكبيرة في بيان للرأي العام بأنها “لن تدخل في معركة مع أحد”.
قبل أسابيع من انتفاضة يناير التي فتحت للمصريين طاقة من النور، وإلى الأبد، كنا نشكو من البرد، ومن برلمان رسمه أحمد عز بالمسطرة، ومن التضييق الإعلامي لنظام مبارك. كتبت في الشروق وقتها أن للصحفي قصتين، يكتب الأولى للصحيفة كما تقتضي قوانين النشر وتوازنات الحياة الدنيا، ويحكي الأخرى لأصحابه على القهوة، أو لنفسه في مرآة الهلوسة الليلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved