إصلاح الأضرار التى لحقت بالدبلوماسية الأمريكية فى مجلس الأمن

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة Crisis Group مقالا للكاتب ريتشارد جوان يعرض فيه التحديات التى ستواجه إدارة بايدن القادمة فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن... نعرض منه ما يلى:.

تحمس الدبلوماسيون فى الأمم المتحدة لنجاح بايدن، وتعهداته بالانضمام لاتفاقية باريس للمناخ وإبقاء أمريكا فى منظمة الصحة العالمية، ولكنه كان حماسا مخلوطا بحذر. فستواجه الإدارة الجديدة تحديات كبيرة لإعادة وضع الولايات المتحدة، خاصة فى مجلس الأمن... لم تهمل إدارة ترامب مجلس الأمن كليا، بل تابعت بشكل نشط فرض عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية عام 2017، ولكنها سممت علاقتها مع أعضاء مجلس الأمن الآخرين خلال الأربعة أعوام الماضية. تشاجرت مع روسيا بشأن سوريا وليبيا وأوكرانيا، ومع الصين بشأن موضوع انتشار وباء كورونا والذى أخر المجلس من الوصول إلى استجابة دولية لمواجهة الوباء. وهو ما جعل الدبلوماسيين الروس والصينيين مستعدين لاستغلال أتفه الأحداث للدخول فى مشادات مع الدبلوماسيين الأمريكيين، مع تسليطهم الضوء على استخدام الولايات المتحدة للعقوبات أحادية الجانب وأضرارها على حقوق الإنسان فى حالات مثل فنزويلا.
توترت العلاقات أيضا مع حلفاء الولايات المتحدة فى المجلس، بما فى ذلك الأعضاء الدائمين ــ فرنسا والمملكة المتحدة. حيث وجد الحلفاء أن إدارة ترامب لا تستجيب أو تعادى اقتراحاتهم بشأن الأزمات الدولية. فضغطت الولايات المتحدة بشدة لخفض تكاليف عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وخلقت توترات مع فرنسا بشأن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار فى مالى. ولم تظهر دعما لجهود ألمانيا والمملكة المتحدة فى ليبيا لوقف إطلاق النار، مما أظهر ارتباك الولايات المتحدة بشأن كيفية التعامل مع الحرب فى ليبيا. وفى بداية عام 2020، هددت باستخدام حق الفيتو لوقف قرار صاغته ألمانيا وتسع دول أخرى بخصوص التداعيات الأمنية لتغير المناخ. وحاولت فى أغسطس إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران على الرغم من انسحابها من جانب أحادى من الاتفاق. وهذه المحاولة فى إعادة العقوبات وحدت جميع الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن ضد الولايات المتحدة... لذلك ستكون مهمة إدارة بايدن هى إصلاح الضرر.

***

تغيير لهجة الدبلوماسية الأمريكية سيكون أمرا جيدا للبدء به لإصلاح الضرر الذى لحق بدبلوماسية الولايات المتحدة فى مجلس الأمن، وتعيين السفيرة من أصل إفريقى ليندا توماس جرينفيلد تعد بداية جيدة... لن يكون من السهل تقليل التوترات المتراكمة من فترة أوباما. مثل التوترات مع روسيا بشأن سوريا وأوكرانيا والتدخل فى الانتخابات الأمريكية إلى جانب مسائل أخرى. أما بالنسبة للعلاقات مع الصين فأفسدها إصرار إدارة ترامب أن يطلق مجلس الأمن على فيروس كورونا اسم «فيروس ووهان»، ومع ذلك ليس من المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن انتقاداتها لبكين بشأن قضايا جوهرية مثل قمع الإيجور أو الوضع فى هونج كونج... ستحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى تهيئة الظروف التى يمكن أن ينجح فيها السلام متعدد الأطراف من خلال معالجة الصراعات المحلية والإقليمية قبل تدخل الأمم المتحدة. سيكون عليها تهدئة التدخلات السعودية فى اليمن والضغط على أنقرة وخصومها لتخفيف حدة التوترات فى ليبيا.
***
ومع ذلك، يمكن لإدارة بايدن أن تقوم بسلسلة من الخطوات المبكرة فى مجلس الأمن والتى لن تؤكد فقط على نهج الإدارة التعددى ولكن ستحسن من قدرة المجلس والأمم المتحدة على الاستجابة للأزمات.
قد تكون أول هذه الخطوات معالجة العواقب الأمنية لتغير المناخ. يمكن أن تستجيب الولايات المتحدة لمشروع القرار الذى قدمته ألمانيا وحلفاؤها، وهو قرار مفصل يقترح تعيين مبعوث للأمم المتحدة يركز على النزاعات المتعلقة بالمناخ ويعمل على جمع البيانات بهدف توفير الإنذار المبكر. يمكن للولايات المتحدة أن توافق على هذا الاقتراح أو تشجع أعضاء المجلس الآخرين على تقديم شىء مماثل مدعوما من واشنطن.
ستكون الخطوة الثانية بشأن كوفيد ــ 19.. فقد أغضبت الولايات المتحدة والصين أعضاء مجلس الأمن الآخرين حين أجل نزاعهما فى المجلس إصدار قرار بشأن الوباء. وعلى الرغم من الوصول إلى قرار فى 1 يوليو، إلا أن الولايات المتحدة استخدمت الاجتماعات التى تلته لتحدى الصين وإلقاء اللوم عليها فى انتشار الفيروس بدلا من التركيز على إجراءات عملية للحد من انتشار الوباء. وعلى الرغم من ظهور لقاحات لفيروس كورونا، إلا أن تبعات الفيروس الاقتصادية ستؤدى لحالة من عدم الاستقرار فى 2021. وبالتالى يمكن أن تشجع إدارة بايدن التعاون بشأن التداعيات الأمنية لكوفيد ــ 19 وتأثيرها على عمليات حفظ السلام والعمل الإنسانى للأمم المتحدة، مع العودة إلى تعاون الولايات المتحدة مع منظمة الصحة العالمية.
ثالثا: سيتعين على إدارة بايدن حل خلافاتها مع حلفائها؛ مثل الخلافات مع فرنسا حول دور الأمم المتحدة فى تحقيق الاستقرار فى مالى والساحل الإفريقى. فعلى الرغم من تأييد فرنسا لجهود الأمم المتحدة فى مالى والساحل، إلا أن الولايات المتحدة نادت بتقليص بعثة الأمم المتحدة هناك... قد يكون من المفيد بدء مناقشة بين فرنسا وأمريكا، مع إشراك لاعبين إقليميين، بهدف تسوية الخلافات حول دور الأمم المتحدة فى منطقة الساحل. قد تستمر واشنطن وباريس فى الاختلاف حول فائدة القوات الدولية فى منطقة الساحل، ولا ينبغى للولايات المتحدة أن تدعم عمليات مكافحة الإرهاب التى تعتقد أنها مضللة لمجرد تهدئة فرنسا، لكن الحوار يمكن أن يعمل على تحسين لهجة فرنسا والولايات المتحدة وعلاقتهم فى المجلس وتحسين الظروف السياسية والاقتصادية فى المنطقة.
***
فى المستقبل، يمكن لإدارة بايدن أن تبذل جهدا لتعزيز عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة ومنع نشوب الصراعات. فى 2015، استضاف أوباما اجتماعا حول نفس الموضوع وأقنع القادة الآخرين بالتعاون مع الأمم المتحدة، وفى حين تابع وزراء الدول اجتماعاتهم حول حفظ السلام، كانت الولايات المتحدة قد فقدت اهتمامها بالموضوع فى عهد ترامب. من المقرر أن تعقد القمم الوزارية التالية فى سيول فى ديسمبر 2021. ويمكن للولايات المتحدة أن تستغل هذا التجمع كفرصة لإظهار أنها لا تزال تهتم بإدارة أزمات الأمم المتحدة. قد تقدم، على سبيل المثال، أنواعا جديدة من التدريب والدعم اللوجيستى والمستشارين المتخصصين لمساعدة مهمات الأمم المتحدة.
سيرغب الدبلوماسيون الأفارقة أيضا فى معرفة ما تنوى السفيرة ليندا توماس جرينفيلد القيام به بشأن مقترحات تمويل الأمم المتحدة لعمليات السلام التى يقودها الاتحاد الإفريقى. اقترحت إدارة أوباما أنه من الممكن أن تتحمل الأمم المتحدة 75% من تكاليف عمليات السلام التى يسمح بها المجلس. فى عام 2018، حاولت إثيوبيا الترويج لهذه الفكرة لكن إدارة ترامب هددت باستخدام حق النقض ضدها. حاولت جنوب إفريقيا تناول القضية بحذر أكبر قليلا لكنها لم تتمكن من إحراز تقدم كبير بشأنها. أثارت هذه النكسات المتكررة استياء الاتحاد الإفريقى من مجلس الأمن... لذلك، وفى وجود خبيرة إفريقية على رأس بعثة الولايات المتحدة للأمم المتحدة، يصبح هناك أمل لدفع هذا الاقتراح مرة أخرى. ويمكن أن تقترح السفيرة ليندا تكوين مجموعة عمل جديدة بين الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة يحظى برضا الطرفين لمعالجة هذه القضايا. فالحوار قد يساعد فى نهاية المطاف على توسيع نطاق أدوات الأمم المتحدة فى الاستجابة للأزمات.
ستظهر كل هذه المقترحات تفهم الولايات المتحدة لأولويات ومخاوف أعضاء الأمم المتحدة واستعدادها الجاد لتعزيز عمل المؤسسة بعد فترة بدت فيها منعزلة.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلي:من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved