الولايات المتحدة ــ إسرائيل.. دلالات الحكومة الجديدة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الخميس 22 ديسمبر 2022 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
منذ إعلان نتائج انتخابات الكنيست، تتصرف الإدارة الأمريكية بحذر شديد، وتمتنع عن اتخاذ موقف يتعلق بسياستها حيال الحكومة الجديدة التى تتشكل فى إسرائيل. وفى تعليق رسمى وحيد حتى الآن، استغل وزير الخارجية الأمريكية أنطونى بلينكن ظهوره فى مؤتمر اللوبى اليهودى اليسارى الموالى لإسرائيل جى ــ ستريت، ليشدد على أن الإدارة تحترم الانتخابات الديمقراطية التى جرت فى إسرائيل، وتنوى التعامل مع «سياسة الحكومة الجديدة، وليس مع أشخاص محددين موجودين فيها». مع ذلك، عاد بلينكن فأشار إلى أن الولايات المتحدة ستطلب من الحكومة الجديدة «الالتزام بالمعايير المتبادلة للعلاقات القائمة بيننا خلال الـ70 عاما الأخيرة». ووفقا لكلامه، ستظل الولايات المتحدة تؤيد القيم الديمقراطية، بما فيها حقوق المثليين والمثليات والعدالة والمساواة بين كل المواطنين الإسرائيليين.
لكن، ومن وراء الكواليس، حرصت أطراف أمريكية على تسريب خبر إلى وسائل الإعلام فى إسرائيل عن حدوث نقاشات فى الإدارة بشأن الحكومة الجديدة والعلاقات مع الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لكن حتى الآن، لم يُتخذ أى قرار. كما سُمعت انتقادات فى الكونجرس، بالأساس فى صفوف الحزب الديمقراطى، بشأن التركيبة المنتظرة للحكومة، والتخوف من السلوك الإسرائيلى، وخصوصا فيما يتعلق بحقوق الإنسان فى الإطار الفلسطينى. وذكرت النيويورك تايمز فى افتتاحيتها (17 ديسمبر) أن «حكومة نتنياهو تشكل تهديدا لمستقبل إسرائيل»، وأن على إدارة بايدن مساعدة «القوى المعتدلة فى السياسة الإسرائيلية» فى نضالها ضد الإصلاحات التى تخطط لها الحكومة الجديدة، و«تقديم الدعم للمجتمع الإسرائيلى الذى يمتاز بالمساواة فى الحقوق وسلطة القانون» كما تفعل فى دول أُخرى فى أنحاء العالم.
• • •
أظهرت الولايات المتحدة منذ بداية ولاية إدارة بايدن التزاما كبيرا بأمن إسرائيل ورفاهها، والعلاقات بينها وبين رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو (التى عرفت صعودا وهبوطا) جيدة. ومن المتوقع أن تبدى الإدارة طول أناة، وألًا تسارع إلى اتخاذ موقف رسمى، وستمتنع عن الدخول فى مواجهات مع الحكومة الجديدة بقدر الممكن.
مع ذلك، فإن اختبارا مركزيا بالنسبة إلى الإدارة، هو السياسة التى ستنتهجها الحكومة الجديدة حيال الشعب الفلسطينى. فى خطابه أمام جى ــ ستريت، شدد وزير الخارجية بلينكن على أن الإدارة الأمريكية متمسكة بحل الدولتين للقضية الفلسطينية، وأن الخطوات التى تؤدى إلى ابتعاد الطرفين عنه تشكل خطرا على أمن إسرائيل فى المدى البعيد، وعلى هويتها اليهودية. ووفقا لكلامه، فإن الإدارة تعلم بأن فرص الحل السياسى فى المرحلة الحالية ضئيلة، لكنها تنوى المحافظة على فرص للتقدم فى المستقبل. بناءً على ذلك، أشار بلينكن إلى أن الإدارة ستعارض الخطوات التى ستزيد التوترات وتبعد فرص التوصل إلى حل سياسى. كما شدد، علنا، على أن الإدارة تعارض توسيع المستوطنات فى الضفة الغربية وخطوات الضم والمسّ بالوضع القائم فى الحرم والتحريض على العنف.
يبدو أن تكرار بلينكن مواقف الولايات المتحدة بالتفصيل يعكس تخوفا كبيرا حيال السياسة المتوقعة للحكومة الإسرائيلية الجديدة. وإذا تحقق جزء من الخطوات التى تعتبرها أحزاب الائتلاف المقبل ضرورية فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية وبالقضية الفلسطينية، فلا مفر من الاشتباك مع الإدارة الأمريكية. طبعا، امتنع بلينكن من التهديد، لكن كان واضحا من كلامه أنه إذا خرقت إسرائيل الستاتيكو عموما، ودفعت قدما بخطوات أحادية الجانب خصوصا، فإن ذلك سيؤثر فى سلوك الإدارة حيالها. والرد الأمريكى يمكن أن يتأرجح بين تنديدات علنية، وصولا إلى تآكل فعلى فى الدعم الذى تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة فى المؤسسات الدولية عموما، وفى مجلس الأمن.
يتعين على الحكومة الجديدة أن تأخذ فى حسابها أن مواجهات مع الإدارة الأمريكية ستؤذى قدرتها على إجراء حوار استراتيجى معها، وخصوصا فى هذه الفترة الممتلئة بالتطورات على الساحتين الدولية والإقليمية، بما فيها المواجهة مع إيران، واشتداد المنافسة مع الصين فى الشرق الأوسط، واستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وحتى لو كانت الإدارة الأمريكية تؤمن بأن الدبلوماسية هى الطريق الأفضل لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووى، فإن التقدم الكبير لإيران فى مراكمة قدرات على تخصيب اليورانيوم يفرض على الإدارة بلورة خطة بديلة لتعزيز الردع حيالها ــ وهذه عملية تتطلب من إسرائيل محاولة التأثير فى الإدارة فى بيئة «خالية من الضجيج». ولليهود فى الولايات المتحدة دور مهم فى التأثير فى مواقف الإدارة. وفى ضوء التآكل فى تأييد الجالية اليهودية لإسرائيل، من المهم تعزيز العلاقة مع المنظمات اليهودية المختلفة والامتناع عن القيام بخطوات يمكن أن تثير معارضتها.
علاوة على ذلك، وفيما يتعلق بالساحة الدولية، ترى الإدارة الأمريكية فى الدفع قدما بجدول أعمال ليبرالى وتعزيز الديمقراطية هدفا مركزيا فى سياستها، أيضا فى النصف الثانى من ولايتها. لذا، يتعين على إسرائيل المحافظة على هذه المبادئ، وخصوصا تلك التى تتعلق بالمسّ بحقوق الإنسان، وباستقلال منظومة القضاء. إن رصيد إسرائيل لدى الولايات المتحدة ناجم عن كونها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط. وقيام إسرائيل بخطوات تعتبرها الولايات المتحدة متعارضة مع هذه القيم يمكن أن يضر بأساس هذه العلاقات.
ويتعين على إسرائيل مراعاة المصالح الأمريكية لدى بلورة مواقفها من مسائل أساسية مطروحة على جدول الأعمال، وهذه المقاربة يمكن أن تنعكس بصورة إيجابية على النظر إليها كحليفة، سواء فى الإدارة أو فى الكونجرس. بالإضافة إلى ذلك، فإن النصف الثانى من ولاية بايدن سيتأثر بالانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى نوفمبر 2024، والتى من المتوقع أن تكون عاصفة، وأن تزيد من حدة الاستقطاب والصراع بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى. لذا، من المهم أن تكون الحكومة الجديدة حذرة من الانجرار إلى الخلاف السياسى فى واشنطن. وتقضى المصلحة الإسرائيلية أن يظل التأييد لها موضوعا يحظى بإجماع الحزبين.
• • •
منذ اليوم، تزداد الأصوات فى واشنطن، بالأساس وسط المشرعات والمشرّعين الديمقراطيين ومن جانب المجموعة التقدمية، وأحيانا من جانب التيار المركزى فى الحزب، الذين لا يتفهمون السياسة التى تنتهجها إسرائيل، ويطالبون بالتشدد فى الرد عليها، إلى حد المطالبة بالربط بين المساعدة لإسرائيل وبين سياستها فى الموضوع الفلسطينى. حتى لو كانت الإدارة الأمريكية إدارة مؤيدة، فإنها لا تستطيع التغاضى، إذا قدّرت أن سلوك إسرائيل يتعارض مع القيم المشتركة التى كانت الأساس الذى قامت عليه العلاقات الخاصة بين الدولتين. حتى الآن، الإدارة الحالية استطاعت تجاوُز الفجوة بنجاح فى معظم الأحيان، لكنها ليست محصّنة إلى الأبد.
إن السلوك الإسرائيلى وسِمات العلاقات بين البلدين فى العامين المقبلين سيكون لهما أهمية كبيرة فى المدى البعيد، فى ضوء المسارات الديموغرافية والاقتصادية والثقافية التى تحدث فى الولايات المتحدة، حتى لو أن جزءا منها لا علاقة له مباشرة بإسرائيل، فإنها يمكن أن تؤدى إلى تآكل الالتزامات الأمريكية حيال إسرائيل. تجاهُل إسرائيل لهذه المسارات يمكن أن يكون كارثيا على المصالح الإسرائيلية، لأن ذلك يمكن أن يضرّ بمنظومة العلاقات الخاصة بين الدولتين، عاجلا أم آجلا. المطلوب من حكومة إسرائيل الاستعداد بصورة ملائمة، ومن الأفضل أن يحدث هذا فى أقرب وقت، من أجل مواجهة هذه التوجهات الإشكالية.
• • •
فى الخلاصة، على الزعامة الإسرائيلية أن تدافع عمّا تعتبره الأهم بالنسبة إلى الأمن القومى لإسرائيل، حتى لو كان ثمنه المواجهة مع الإدارة الأمريكية. مع ذلك، عليها أن تدرك أن واشنطن والإدارة والكونجرس يتوقعون احترام إسرائيل المصالح الأمريكية. لذا، يجب على إسرائيل أن تنتهج نهجا واقعيا من خلال الحرص على الشفافية والحوار المستمر. النقاشات العلنية يمكن أن تتدهور بسرعة إلى نقطة قد تفسّرها واشنطن بأنها ضد الإدارة الأمريكية وضد المصالح الأمريكية.
لا خلاف على أن المساعدة الأمريكية هى مكوّن حاسم فى الأمن القومى لإسرائيل، وأن التحديات السياسية والأمنية المعقدة التى ستواجهها إسرائيل فى الأشهر القريبة تفرض تنسيقا كاملا مع واشنطن. على هذه الخلفية، من المهم جدا أن تأخذ إسرائيل فى حسابها أيضا حاجات الإدارة الأمريكية وسياساتها فى كل ما له علاقة بصوغ سياسة منسجمة فى مواجهة تحديات سياسية وأمنية، وكذلك فيما يتعلق بقضايا تشغل الساحة الدولية وتلك الموجودة فى صلب المصالح الأمريكية. بالنسبة إلى إسرائيل، العلاقات مع الولايات المتحدة لها أولوية كبرى تفرض عليها اختيار سياسة تتلاءم مع سياسة الولايات المتحدة، حتى على حساب مصالح أُخرى.
ألداد شافيط
باحث فى معهد دراسات الأمن القومي
مباط عال
مؤسسة الدراسات الفلسطينية