سيادة القانون وسيادة للرئيس

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 23 يناير 2010 - 9:18 ص بتوقيت القاهرة

 
فى الأسبوع الماضى وجدنا أنفسنا فى موقف حرج، بسبب ما لاح من تعارض بين سيادة القانون وسيادة الرئيس. ذلك أن الرئيس مبارك حين زار محافظة كفر الشيخ كان قد أعلن فى مؤتمر حاشد أن أمر قانون الضرائب العقارية لم يحسم بعد، وتحدث عن بعض الأفكار التى خطرت له بخصوصه، أهمها أن تمد فترة تقدير قيمة العقار والضرائب المستحقة عليهز.

بحيث تصبح كل عشر سنوات وليس خمسا. وهو ما أثلج صدور كثيرين وما رحبت به وسائل الإعلام المصرية، حتى كان تركيز العنوان الموحد لصحف اليوم التالى على عدم حسم الملف. الأمر الذى ظن معه المتفائلون أن الباب مفتوح لمراجعة القانون الذى استفز قطاعات واسعة من الناس وأثار اعتراضهم.

كلام الرئيس أذهل أهل القانون وصدمهم لأنهم يعتبرون أن موضوع الضريبة العقارية محسوم منذ سبعة عشر شهرا. وأرسل إلىَّ أحدهم صورة الجريدة الرسمية التى نشرت نص القانون، ممهورا بتوقيع الرئيس حسنى مبارك. وتحت آخر سطر فى النص المنشور عبارة تقول: يبصم هذا القانون بخاتم الدولة وينفذ كقانون من قوانينها ــ ومسجلا أنه صدر برئاسة الجمهورية فى 19 جمادى الآخرة سنة 1429 هـ ــ الموافق 23 يونيو سنة 2008.

من ثم فقد كان السؤال الذى حير أهل الاختصاص هو: كيف يبصم القانون وينفذ ويصدر ثم يقال إنه لم يحسم، وإذا كانت كل المراحل التى تمت لا تعنى أن أمر القانون لم يحسم، فمتى يمكن أن يكون محسوما إذن؟

ذلك سؤال برىء تردده ألسنة رجال القانون الطيبين، لكنه يعد أمرا مفهوما جدا عند فالأولون أهل السياسة. ذلك أن الأولين يعتمدون فى منطقهم على أن توقيع الرئيس ونشر القانون فى الجريدة الرسمية هو آخر كلام فى الموضوع. وأن هناك فرقا بين ما تنشره الجريدة الرسمية، «وكلام الجرايد» الأخرى. وهم محقون فى ذلك لا ريب.

لأنه لا يعقل فى الظروف العادية أن تتخذ جميع خطوات إصداره ويوقع رئيس الجمهورية على ذلك، بل وينفذ بالفعل، بمعنى أن يلزم الناس بتقديم إقراراتهم الضريبية بناء عليه، ثم يدخل عليه تعديل تشريعى بمد فترة تقديم الإقرارات من شهر يناير إلى آخر مارس القادم. لا يعقل أن يحدث كل ذلك ثم يقال إن القانون لم يحسم.

أهل السياسة فى بلادنا لهم منطق مختلف. فكلام الرئيس عندهم هو رئيس الكلام.
وهو ما عبر عنه السيد أحمد عز أمين التنظيم فى الحزب الوطنى ورئيس لجنة الخطة والميزانية بمجلس الشعب. حين نشرت الصحف على لسانه فى اليوم التالى مباشرة أن الرئيس إذا طلب تعديل القانون، فإن التعديل المطلوب سيتم، ثم التزم الصمت تماما إزاء الإدعاء بأن الضريبة العقارية لم تحسم.

وهو خير من يعلم أن الأمر حسم ودخل حيز التنفيذ. وللسيد عز نفسه تجربة ليست بعيدة عن الواقعة التى نحن بصددها. ذلك أنه فرض تعديلات على قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، بعد أن كان مجلس الشعب قد انتهى من مناقشة المشروع واستكمل كل مراحل إقراره. لكنه عاد بعد 24 ساعة ليدخل تعديلا ارتآه يقضى بمعاقبة المبلغ عن الاحتكار بنصف العقوبة فى حين أن القانون الأصلى يعفيه تماما من العقوبة لتشجيع مكافحة الاحتكار، كما هو الحاصل فى مختلف بلدان العالم.

ثمة تفسيرات عدة لمواقف الرئيس من ملف الضريبة العقارية، تراوحت بين استجابته لضغوط الرأى العام، وبين توقيعه على إصداره دون أن يتحقق من مضمونه، وهناك اجتهاد ثالث يقول إن الأمر كله خرج من لجنة السياسات التابعة لابن الرئيس، وإنها هى التى قامت بالطبخة كلها، وحصلت بعد ذلك على موافقة الرئيس (خيرى رمضان فى المصرى اليوم ــ 21/1).

إلا أننى أزعم أن الأمر أكبر من قانون الضريبة العقارية، وأن ما جرى جاء كاشفا عن الحقيقة التى يتجاهلها كثيرون، وهى أن المرجعية الحقيقية فى مصر الراهنة لا تستند إلى سيادة القانون بقدر استنادها وتعويلها على سيادة الرئيس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved