الحركات الاجتماعية القديمة والجديدة ومستقبل الثورة المصرية: خواطر جنوب شرق آسيا

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 23 يناير 2012 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

مر عام على ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكن يسود بين الثوار الذين قادوا بشجاعة المظاهرات الأولى فى ذلك اليوم شعور بالغضب أن الثورة لم تنجح فى الوصول إلى أهم أهدافها، وهو أن تضع الوطن على الطريق الصحيح الذى يؤدى به إلى الانطلاق نحو تحقيق الشعارات التى نادت بها منذ يومها الأول، وهى عيش، حرية، عدالة اجتماعية. عيش يعنى توفير العمل والدخل اللائقين لكل المصريين، وحرية تعنى انتهاء الممارسات المهينة من جانب أجهزة الأمن للمواطنين، وامتلاك المواطنين لمصيرهم والعدالة تعنى تقريب الفوارق الواسعة فى أوضاع الحياة، وفى مقدمتها الثروات والقوة السياسية، والتى تفصل بين المواطنين. ومع ذلك فإن هذا الشعور بأن البلاد ليست على الطريق الصحيح الذى يؤدى إلى الوصول إلى هذه الأهداف ليس شعورا عاما بين القوى السياسية التى شاركت فى الثورة، فالقوى الإسلامية، والتى ترددت فى الانضمام إلى الثورة فى البداية بل وتحفظ بعضها عليها، هى راضية كل الرضا عما حل بها وبالبلاد، فهى على عكس الثوار الذين بدأوا الثورة تنتظر بكل اللهفة أن تبدأ فى ممارسة سلطات الحكم بامتلاك السلطة التشريعية أولا، ثم بتشكيل الحكومة واختيار رئيس للدولة على هواها. ولا تجد قطاعات من ثوار 25 يناير من بديل أمامهم سوى المطالبة بالإسراع بتسليم سلطات الحكم التشريعية والتنفيذية للمؤسسات التى يديرها الإسلاميون ظنا منهم أن ذلك قد يكون هو الأفضل من الارتكان إلى وعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة إلى رئيس منتخب فى موعد غايته أول يوليو من العام الجديد.

 

عرضت قصة الثورة المصرية ومأزقها الحالى فى سلسلة من المحاضرات دعيت إليها فى كل من جامعة الفلبين وجامعة اندونيسيا بجاكارتا، وهما الجامعتان الرئيسيتان فى كل من البلدين، وشاركت فى مناقشات مائدة مستديرة مع مجموعات من المدنيين ونشطاء المجتمع المدنى فى كل من البلدين، ولم تبد قصتى غريبة عليهم، فهم قد عرفوا نفس التجربة، ويملكهم أيضا إحساس بالمرارة، فالذين أطاحوا بحكم ماركوس فى الفلبين فى سنة 1986، والذين أطاحوا بحكم سوهارتو فى إندونيسيا سنة 1998 اكتشفوا أن نفس النخبة القديمة هى التى تحكم البلاد الآن. إيميلدا ماركوس زوجة ديكتاتور الفلبين هى عضو فى المجلس الأدنى للبرلمان، وهى شخصية بارزة فى مجال النشاط الاجتماعى، وأبناء سوهارتو الذكور الأربعة هم أعضاء بارزون فى الأحزاب السياسية.، ولذلك كانت أسئلتهم ملحة، كيف يصنع الثوار الثورة، ثم تتولى الدولة قوى قديمة لا تشارك الثوار أهدافهم إن لم تكن تعارضها.

 

 

بين الحركات الاجتماعية القديمة والجديدة

 

وكان تفسيرى لهذا المأزق هو التمييز بين قوى الثورة فى مصر بين من أعتبرهم ممثلين لحركة اجتماعية قديمة، ومن يمثلون حركات اجتماعية جديدة. الحركة الاجتماعية القديمة تضم أشخاصا من طبقات اجتماعية متعددة، وتجاهد من أجل تطبيق رؤية أيديولوجية شاملة تدعو إلى تغيير واسع فى جميع نواحى حياة المجتمع، اقتصاده ونظامه السياسى وثقافته بل وأنماط سلوك أفراده، وهى لا تتوانى عن استخدام جميع سبل العمل الجماعى للوصول إلى غاياتها، تنخرط فى العمل الاجتماعى بتقديم الخدمات التعليمية والصحية ومساعدة الفقراء، وتتحرك فى إطار التنظيمات الجماهيرية من نقابات واتحادات طلابية، وتستخدم أدوات الإعلام لنشر فكرها بين المواطنين، بل وتهتم بقطاعات خاصة من العاملين بالدولة بسبب الدور الأساسى الذى يقومون به فى تشكيل وعى المواطنين مثل المدرسين، وتلجأ إلى دور العبادة لطرح رؤيتها للعالم وكسب الأنصار، وتخوض الانتخابات وتقيم الأحزاب السياسية استعدادا لتولى سلطة الحكم، بل وقد لا تتردد فى استخدام القوة المسلحة ضد خصومها إذا ما اقتضى الأمر. هذا هو حال الحركة الإسلامية فى مصر، وهى بهذا المعنى حركة اجتماعية من النمط الكلاسيكى الذى عرفته دول أخرى فى شمال العالم وجنوبه، كانت النماذج الأبرز هى الحركات الاشتراكية والكاثوليكية فى أوروبا فى القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

ولكن هناك أيضا الحركات الاجتماعية الجديدة، وتقتصر عضويتها فى الغالب على أشخاص ينتمون إلى طبقة اجتماعية واحدة هى فى العادة الطبقة المتوسطة، ولا تسترشد هذه الحركات برؤية أيديولوجية محددة، وإن كانت أفكارها أقرب إلى الفكر الليبرالى والاشتراكى، والأهداف التى ترفعها محدودة، حتى وإن تطلع أفرادها إلى تغيير شامل قى المجتمع، فهى تدور حول احترام حقوق الإنسان، أو النهوض بأوضاع المرأة، أو حماية المستهلكين، أو وقف التسلح، وفى حالة مصر فإن نماذج هذه الحركات هى تحديدا تلك التى ناصرت الثورة منذ يومها الأول بل وكانت هى التى خططت لها واتخذت المبادرة بتنظيم المظاهرات الأولى لها، وفى مقدمة هذه الحركات الاجتماعية الجديدة كل من حركة 6 أبريل وكلنا خالد سعيد، وانضمت لهما كفاية التى كانت الحركة الأم التى تتلمذت قيادات الحركات الأخرى بين صفوفها وتعلمت من نجاحها وعرفت أسباب إخفاقها، كما ضمت هذه الحركات أيضا حملة دعم الدكتور البرادعى مرشحا للرئاسة وشباب الجمعية الوطنية للتغيير وشباب الإخوان المسلمين فضلا عن منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية المستقلة. هذه الحركات الاجتماعية الجديدة تميل إلى العمل المباشر بتنظيم الاحتجاجات الجماعية مثل الإضرابات والمظاهرات، على المستوى المحلى أولا أملا فى الوصول إلى تعبئة المواطنين للانخراط فى هذا الاحتجاج على نطاق قومى، ومثلما كان الإضراب العام هو أمل بعض الحركات الاشتراكية فى أوروبا، فإن المظاهرة المليونية كانت هى الحلم الذى داعب قيادات كفاية والذى كانت تسعى إليه حركة 6 ابريل. ومع أن عضوية معظم هذه الجماعات محدودة للغاية، إلا أن استخدام أدوات الاتصال الاجتماعى الإلكترونية مكنها من توسيع عضويتها التى قاربت عدة مئات من الآلاف مثل صفحة كلنا خالد سعيد وحملة أنصار البرادعى، ولكن بقيت عضوية معظمها لا تتجاوز المئات، أو ظلت عضوية متخيلة موجودة أو مخزونة على شاشة الانترنت.

 

والعجيب فى أمر الثورة المصرية أنها كانت من ابتكار وتنظيم وتنفيذ الحركات الاجتماعية الجديدة التى تستحق كل التحية لقدرتها على الابتكار والتحدى والمثابرة، بل وأزعم أن الثورة كانت ستنجح حتى ولو لم تشارك فيها قيادة الإخوان المسلمين، لأن الملايين الذين شاركوا فيها لم يكونوا فى معظمهم هم جماهير الإخوان المسلمين، ولم يشاركوا فيها تصورا أنها ثورة إسلامية بل انضموا إليها لأنها كانت ثورة كل الشعب المصرى، ضد السياسات الاقتصادية لحكومات مبارك التى وسعت الهوة بين المواطنين، ولمسلكه فى احتكار السلطة والسعى لتوريثها لابنه احتقارا لرفض المصريين هذا المسلك، ولاستهزائه بهم وبذكائهم على النحو الذى بدا صارخا فى إدارة انتخابات مجلس الشعب فى خريف سنة 2010. بل إن جماهير الإخوان المسلمين كانت ستنضم إلى الثورة سواء دعتها إليها قياداتها أم لم تدعها، لأن أهداف الثورة العامة هى أهداف كل المصريين.

 

 

الهيمنة الثقافية المضادة طريق لسلطة الدولة

 

لم يكن بوسع الحركة الإسلامية فى مصر أن تصل إلى السلطة، لم يفكر قادة الإخوان المسلمين فى الثورة على نظام مبارك، بل لقد جاءت الثورة فى لحظة انكسار سياسى للحركة الإسلامية بصفة عامة بسبب التزوير الصارخ فى انتخابات مجلس الشعب فى سنة 2010 والتى استبعدت تقريبا كل مرشحى الإخوان المسلمين، وكان السلفيون قابعين إما فى تقيتهم أو لأنهم لا يتصورون خروجا على حاكم مسلم بحسب بعض فتاويهم، ومع ذلك فإن اساليب العمل التى اتبعتها الحركة الإسلامية بكل فصائلها لأسلمة المجتمع هى التى تمكنها الآن وفى المستقبل القريب من أن تكون القوة السياسية الأولى فى البلاد من خلال الانتخابات، ومع أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة شابتها الكثير من جوانب القصور، إلا أنه لاشك أن الحركة الإسلامية كانت ستخرج منتصرة منها حتى لو كانت قد تمت بتوافر كل شروط النزاهة والحرية. إن سلاح الحركة الإسلامية فى نصرها هذا هو تحقيقها للهيمنة الثقافية المضادة لنظام الحكم السابق. لقد نشرت رؤيتها للعالم بين المواطنين وكسبتهم لهذه الرؤية على الرغم من كل القمع الذى تعرضت له، أما الحركات الاجتماعية الجديدة فإن رؤيتها للعالم ليست واضحة ولا متبلورة، ولا تصل للمواطنين بل ولا يتواجد من يحملها إذا كانت هناك ثمة رؤية بين المواطنين فى قراهم وأحيائهم الفقيرة والعشوائيات التى يقيم فيها ملايين منهم.

 

طريق الحركات الاجتماعية الجديدة لكى تشارك بفعالية فى صياغة مستقبل هذا الوطن هو أن تسعى بدورها لتحقيق هيمنة ثقافية على أساس رؤية مستنيرة تتسع لكل المصريين بلا تمييز وتضع أيديهم على مفاتيح مشاكلهم الحقيقية دونما تضليل. وأن تبدأ بنشر هذه الرؤية من خلال العمل على المستويات المحلية والوطنية فى آن واحد. وبصرف النظر عما سيحدث فى العيد الأول للثورة، فليس هناك طريق آخر أمام أنصار الثورة سوى نشر هذه الرؤية بين المواطنين، ليس فقط أملا فى أن يصلوا بدورهم لمقاعد السلطة، ولكن تحقيقا للتوازن فى الحياة السياسية المصرية، فبدون هذا التوازن، لا أمل فى تطور ديمقراطى حقيقى.

 

 

مر عام على ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكن يسود بين الثوار الذين قادوا بشجاعة المظاهرات الأولى فى ذلك اليوم شعور بالغضب أن الثورة لم تنجح فى الوصول إلى أهم أهدافها، وهو أن تضع الوطن على الطريق الصحيح الذى يؤدى به إلى الانطلاق نحو تحقيق الشعارات التى نادت بها منذ يومها الأول، وهى عيش، حرية، عدالة اجتماعية. عيش يعنى توفير العمل والدخل اللائقين لكل المصريين، وحرية تعنى انتهاء الممارسات المهينة من جانب أجهزة الأمن للمواطنين، وامتلاك المواطنين لمصيرهم والعدالة تعنى تقريب الفوارق الواسعة فى أوضاع الحياة، وفى مقدمتها الثروات والقوة السياسية، والتى تفصل بين المواطنين. ومع ذلك فإن هذا الشعور بأن البلاد ليست على الطريق الصحيح الذى يؤدى إلى الوصول إلى هذه الأهداف ليس شعورا عاما بين القوى السياسية التى شاركت فى الثورة، فالقوى الإسلامية، والتى ترددت فى الانضمام إلى الثورة فى البداية بل وتحفظ بعضها عليها، هى راضية كل الرضا عما حل بها وبالبلاد، فهى على عكس الثوار الذين بدأوا الثورة تنتظر بكل اللهفة أن تبدأ فى ممارسة سلطات الحكم بامتلاك السلطة التشريعية أولا، ثم بتشكيل الحكومة واختيار رئيس للدولة على هواها. ولا تجد قطاعات من ثوار 25 يناير من بديل أمامهم سوى المطالبة بالإسراع بتسليم سلطات الحكم التشريعية والتنفيذية للمؤسسات التى يديرها الإسلاميون ظنا منهم أن ذلك قد يكون هو الأفضل من الارتكان إلى وعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة إلى رئيس منتخب فى موعد غايته أول يوليو من العام الجديد.

 

عرضت قصة الثورة المصرية ومأزقها الحالى فى سلسلة من المحاضرات دعيت إليها فى كل من جامعة الفلبين وجامعة اندونيسيا بجاكارتا، وهما الجامعتان الرئيسيتان فى كل من البلدين، وشاركت فى مناقشات مائدة مستديرة مع مجموعات من المدنيين ونشطاء المجتمع المدنى فى كل من البلدين، ولم تبد قصتى غريبة عليهم، فهم قد عرفوا نفس التجربة، ويملكهم أيضا إحساس بالمرارة، فالذين أطاحوا بحكم ماركوس فى الفلبين فى سنة 1986، والذين أطاحوا بحكم سوهارتو فى إندونيسيا سنة 1998 اكتشفوا أن نفس النخبة القديمة هى التى تحكم البلاد الآن. إيميلدا ماركوس زوجة ديكتاتور الفلبين هى عضو فى المجلس الأدنى للبرلمان، وهى شخصية بارزة فى مجال النشاط الاجتماعى، وأبناء سوهارتو الذكور الأربعة هم أعضاء بارزون فى الأحزاب السياسية.، ولذلك كانت أسئلتهم ملحة، كيف يصنع الثوار الثورة، ثم تتولى الدولة قوى قديمة لا تشارك الثوار أهدافهم إن لم تكن تعارضها.

 

 

بين الحركات الاجتماعية القديمة والجديدة

 

وكان تفسيرى لهذا المأزق هو التمييز بين قوى الثورة فى مصر بين من أعتبرهم ممثلين لحركة اجتماعية قديمة، ومن يمثلون حركات اجتماعية جديدة. الحركة الاجتماعية القديمة تضم أشخاصا من طبقات اجتماعية متعددة، وتجاهد من أجل تطبيق رؤية أيديولوجية شاملة تدعو إلى تغيير واسع فى جميع نواحى حياة المجتمع، اقتصاده ونظامه السياسى وثقافته بل وأنماط سلوك أفراده، وهى لا تتوانى عن استخدام جميع سبل العمل الجماعى للوصول إلى غاياتها، تنخرط فى العمل الاجتماعى بتقديم الخدمات التعليمية والصحية ومساعدة الفقراء، وتتحرك فى إطار التنظيمات الجماهيرية من نقابات واتحادات طلابية، وتستخدم أدوات الإعلام لنشر فكرها بين المواطنين، بل وتهتم بقطاعات خاصة من العاملين بالدولة بسبب الدور الأساسى الذى يقومون به فى تشكيل وعى المواطنين مثل المدرسين، وتلجأ إلى دور العبادة لطرح رؤيتها للعالم وكسب الأنصار، وتخوض الانتخابات وتقيم الأحزاب السياسية استعدادا لتولى سلطة الحكم، بل وقد لا تتردد فى استخدام القوة المسلحة ضد خصومها إذا ما اقتضى الأمر. هذا هو حال الحركة الإسلامية فى مصر، وهى بهذا المعنى حركة اجتماعية من النمط الكلاسيكى الذى عرفته دول أخرى فى شمال العالم وجنوبه، كانت النماذج الأبرز هى الحركات الاشتراكية والكاثوليكية فى أوروبا فى القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

ولكن هناك أيضا الحركات الاجتماعية الجديدة، وتقتصر عضويتها فى الغالب على أشخاص ينتمون إلى طبقة اجتماعية واحدة هى فى العادة الطبقة المتوسطة، ولا تسترشد هذه الحركات برؤية أيديولوجية محددة، وإن كانت أفكارها أقرب إلى الفكر الليبرالى والاشتراكى، والأهداف التى ترفعها محدودة، حتى وإن تطلع أفرادها إلى تغيير شامل قى المجتمع، فهى تدور حول احترام حقوق الإنسان، أو النهوض بأوضاع المرأة، أو حماية المستهلكين، أو وقف التسلح، وفى حالة مصر فإن نماذج هذه الحركات هى تحديدا تلك التى ناصرت الثورة منذ يومها الأول بل وكانت هى التى خططت لها واتخذت المبادرة بتنظيم المظاهرات الأولى لها، وفى مقدمة هذه الحركات الاجتماعية الجديدة كل من حركة 6 أبريل وكلنا خالد سعيد، وانضمت لهما كفاية التى كانت الحركة الأم التى تتلمذت قيادات الحركات الأخرى بين صفوفها وتعلمت من نجاحها وعرفت أسباب إخفاقها، كما ضمت هذه الحركات أيضا حملة دعم الدكتور البرادعى مرشحا للرئاسة وشباب الجمعية الوطنية للتغيير وشباب الإخوان المسلمين فضلا عن منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية المستقلة. هذه الحركات الاجتماعية الجديدة تميل إلى العمل المباشر بتنظيم الاحتجاجات الجماعية مثل الإضرابات والمظاهرات، على المستوى المحلى أولا أملا فى الوصول إلى تعبئة المواطنين للانخراط فى هذا الاحتجاج على نطاق قومى، ومثلما كان الإضراب العام هو أمل بعض الحركات الاشتراكية فى أوروبا، فإن المظاهرة المليونية كانت هى الحلم الذى داعب قيادات كفاية والذى كانت تسعى إليه حركة 6 ابريل. ومع أن عضوية معظم هذه الجماعات محدودة للغاية، إلا أن استخدام أدوات الاتصال الاجتماعى الإلكترونية مكنها من توسيع عضويتها التى قاربت عدة مئات من الآلاف مثل صفحة كلنا خالد سعيد وحملة أنصار البرادعى، ولكن بقيت عضوية معظمها لا تتجاوز المئات، أو ظلت عضوية متخيلة موجودة أو مخزونة على شاشة الانترنت.

 

والعجيب فى أمر الثورة المصرية أنها كانت من ابتكار وتنظيم وتنفيذ الحركات الاجتماعية الجديدة التى تستحق كل التحية لقدرتها على الابتكار والتحدى والمثابرة، بل وأزعم أن الثورة كانت ستنجح حتى ولو لم تشارك فيها قيادة الإخوان المسلمين، لأن الملايين الذين شاركوا فيها لم يكونوا فى معظمهم هم جماهير الإخوان المسلمين، ولم يشاركوا فيها تصورا أنها ثورة إسلامية بل انضموا إليها لأنها كانت ثورة كل الشعب المصرى، ضد السياسات الاقتصادية لحكومات مبارك التى وسعت الهوة بين المواطنين، ولمسلكه فى احتكار السلطة والسعى لتوريثها لابنه احتقارا لرفض المصريين هذا المسلك، ولاستهزائه بهم وبذكائهم على النحو الذى بدا صارخا فى إدارة انتخابات مجلس الشعب فى خريف سنة 2010. بل إن جماهير الإخوان المسلمين كانت ستنضم إلى الثورة سواء دعتها إليها قياداتها أم لم تدعها، لأن أهداف الثورة العامة هى أهداف كل المصريين.

 

 

الهيمنة الثقافية المضادة طريق لسلطة الدولة

 

لم يكن بوسع الحركة الإسلامية فى مصر أن تصل إلى السلطة، لم يفكر قادة الإخوان المسلمين فى الثورة على نظام مبارك، بل لقد جاءت الثورة فى لحظة انكسار سياسى للحركة الإسلامية بصفة عامة بسبب التزوير الصارخ فى انتخابات مجلس الشعب فى سنة 2010 والتى استبعدت تقريبا كل مرشحى الإخوان المسلمين، وكان السلفيون قابعين إما فى تقيتهم أو لأنهم لا يتصورون خروجا على حاكم مسلم بحسب بعض فتاويهم، ومع ذلك فإن اساليب العمل التى اتبعتها الحركة الإسلامية بكل فصائلها لأسلمة المجتمع هى التى تمكنها الآن وفى المستقبل القريب من أن تكون القوة السياسية الأولى فى البلاد من خلال الانتخابات، ومع أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة شابتها الكثير من جوانب القصور، إلا أنه لاشك أن الحركة الإسلامية كانت ستخرج منتصرة منها حتى لو كانت قد تمت بتوافر كل شروط النزاهة والحرية. إن سلاح الحركة الإسلامية فى نصرها هذا هو تحقيقها للهيمنة الثقافية المضادة لنظام الحكم السابق. لقد نشرت رؤيتها للعالم بين المواطنين وكسبتهم لهذه الرؤية على الرغم من كل القمع الذى تعرضت له، أما الحركات الاجتماعية الجديدة فإن رؤيتها للعالم ليست واضحة ولا متبلورة، ولا تصل للمواطنين بل ولا يتواجد من يحملها إذا كانت هناك ثمة رؤية بين المواطنين فى قراهم وأحيائهم الفقيرة والعشوائيات التى يقيم فيها ملايين منهم.

 

طريق الحركات الاجتماعية الجديدة لكى تشارك بفعالية فى صياغة مستقبل هذا الوطن هو أن تسعى بدورها لتحقيق هيمنة ثقافية على أساس رؤية مستنيرة تتسع لكل المصريين بلا تمييز وتضع أيديهم على مفاتيح مشاكلهم الحقيقية دونما تضليل. وأن تبدأ بنشر هذه الرؤية من خلال العمل على المستويات المحلية والوطنية فى آن واحد. وبصرف النظر عما سيحدث فى العيد الأول للثورة، فليس هناك طريق آخر أمام أنصار الثورة سوى نشر هذه الرؤية بين المواطنين، ليس فقط أملا فى أن يصلوا بدورهم لمقاعد السلطة، ولكن تحقيقا للتوازن فى الحياة السياسية المصرية، فبدون هذا التوازن، لا أمل فى تطور ديمقراطى حقيقى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved