شبح إسرائيل فى تيران وصنافير

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 23 يناير 2017 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

بدون أن تطلق رصاصة واحدة فى معركة تيران وصنافير المشتعلة بين مصر والسعودية، حققت إسرائيل انتصارات سياسية لم تكن تتوقع الحصول عليها، ولم تكن تستطيع أن تحلم بالوصول إليها حتى لو شنت الحرب على البلدين التى ستعرضها بالتأكيد لخسائر فادحة، بعد ان حطمت حرب اكتوبر أسطورة جيشها الذى لا يقهر، وأنهت أحلامها بتكرار سيناريو حرب الأيام الستة، التى اندلعت ــ بالمناسبة – بسبب إغلاق جمال عبدالناصر مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية، وأسفرت عن احتلال اراضى 3 دول عربية، بدون مقاومة تذكر!

مطالب السعودية المحمومة بالحصول على جزيرتى تيران وصنافير،تثير العديد من التساؤلات الخطيرة، فاستيلاء السعودية على الجزيرتين سيقدم لإسرائيل كنزا إستراتيجيا لا يقدر بثمن، سيضمن لها ــ بالقانون الدولى – حق الملاحة فى خليج العقبة بعد أن يصبح ممرا بحريا دوليا، وليس خاضعا للسيادة المصرية.

كما أن عودة الجزيرتين للسعودية يفرض عليها تحقيق «تفاهمات ما »، إن لم يكن اتفاقيات أمنية واضحة مع إسرائيل، سيتبعها بالتأكيد خطوات سياسية أخرى ، قد، تفتح كل أبواب الاحتمالات أمام تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتى ستفتح بدورها الباب أمام بقية دول الخليج لتحذو حذو المملكة، وهى عملية تبدو وكأنها توصيل الخدمات الإسترتيجية لإسرائيل حتى المنازل!

مثل هذا السيناريو سوف يكون بالطبع على حساب الحقوق الفلسطينية الاستراتيجية، فالاعتراف الرسمى العربى الواسع بدولة إسرائيل، سيجعلها كالعادة تتشدد فى الملف الفلسطينى الذى سيحتل ركنا هامشيا فى الاهتمام الدولى والعربى، سواء ما يتعلق بالقدس أو بالدولة الفلسطينية المقترح اقامتها وعودة اللاجئين الفلسطينيين فى الخارج، لكنه فى المقابل سيفجر العديد من الصراعات بين معسكرى الصقور والحمائم فى العالم العربى، سيصب فى نهاية المطاف فى مصلحة إسرائيل، ووهن النظام الإقليمى العربى الذى تعانى العديد من دوله من أزمات تهدد بتفجيرها من الداخل.

فى نفس الوقت، جاء تعامل الحكومة المصرية مع ملف الجزيرتين نموذجا صارخا للفشل السياسى والاضطراب المؤسسى، فوزراة شريف اسماعيل كانت مضرب الأمثال فى الاعتداء على الدستور، والتعدى على مبادئ الفصل بين السلطات، وتحدى أحكام القضاء، وإثارة نزاعات بين القضاء والبرلمان، وأخيرا إثارة غضب الشارع عليها بشكل ربما لم تواجهه أى سلطة فى مصر طوال السنوات الماضية .

حكومتنا أصبحت مرفوضة شعبيا لأسباب اقتصادية وسياسية، وعلاقتها بالسعودية معرضة لمزيد من التدهور، وموافقتها على التحكيم الدولى فى نزاعها مع السعودية حول الجزيرتين سيعرضها لهبات جماهيرية لن تستطيع مواجهتها بسهولة، ورفضها للتحكيم سيفقدها حليفها الخليجى الكبير، وهو وضع يضعها فى مأزق مصيرى خطير، يصب أيضا فى مصلحة إسرائيل لأنه يضعف موقف خصومها المفترضين فى العالم العربى.

أشباح إسرائيل التى تتراقص الآن فى تيران وصنافير، لن يطردها سوى معالجة جديدة للخلاف المصرى السعودى حول الجزيرتين، لا تقتصر فقط على تأجيل مناقشة الملف بين البلدين حتى تهدأ الأوضاع فى مصر كما يقول البعض، ولكنه يفرض عليهما ــ لتحقيق مصالحهما الوطنية الحقيقية ــ السعى لبناء نموذج سياسى جديد فى العالم العربى، يستند إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهى أهداف لا يبدو أن العرب يعطوها الاهتمام الواجب.

العالم العربى الذى يسير عكس حركة التاريخ، سيدفع أثمانا غالية لصراعات بين دوله، لم يكن الصراع حول تيران وصنافير أولها ولن يكون آخرها، ولكنه بالتأكيد سيكون أخطرها إذا ما تنازلت الحكومة فى مصر عن الجزيرتين!

محمد عصمت

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved