الوضع السياسى الأمريكى فى نظر «مدفيديف» الرئيس السابق لروسيا

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 23 يناير 2021 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 عرضا لمقال الرئيس الروسى ورئيس الحكومة الروسية السابق دميترى مدفيديف على موقع وكالة «تاس» بعنوان «أميركا 2.0»، تحدث فيه عن أزمة النظام السياسى الأمريكى وبشكل خاص عن أزمة النظام الانتخابى الأمريكى... نعرض منه ما يلى:
من المسلّم به أن الاقتصادات الكبرى لها تأثير كبير على التنمية السياسية والاجتماعية للبلدان الأخرى، وأن الأزمات التى تمر بها بشكل دورى تؤثر على الاقتصاد العالمى، وبالتالى على الاقتصادات الإقليمية والوطنية. ومع ذلك، غالبا ما يتم غض الطرف عن أن بعض الأحداث السياسية، مثل الانتخابات، يمكن أن تثير أيضا أزمات خطيرة فى بلدان أخرى. فى هذا السياق، يجدر إلقاء نظرة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والتى أثبتت أن عيوب النظام الانتخابى الأمريكى هى ذات طبيعة شاملة.
اعترف العديد من قادة الولايات المتحدة لمدفيديف فى أوقات مختلفة بأن «نظامنا ليس مثاليا، لكننا اعتدنا عليه وهو مناسب لنا». تكمن المشكلة فى أن بقية العالم يجد بشكل متزايد أنه من «غير الملائم» العمل مع مثل هذا البلد، حيث أصبحت الولايات المتحدة شريكا لا يمكن التنبؤ به. ويثير عدم القدرة على التنبؤ هذا قلقا لدى الدول الأخرى والرابطات الإقليمية والمنظمات السياسية والعسكرية.
***
فى النظام الانتخابى الأمريكى، المرشح الذى يفوز بغالبية نسبية فى ولاية معينة يحصل غالبا على جميع الأصوات الانتخابية لتلك الولاية. لذلك، فى الولايات الليبرالية والمحافظة تقليديا، تختفى الأصوات التى يدلى بها أولئك الذين يدعمون الطرف الآخر، وتنخفض إلى الصفر. فى التاريخ الحديث، خسر المرشحان الديمقراطيان ألبرت غور (2000) وهيلارى كلينتون (2016) الانتخابات، على الرغم من فوزهما بأكبر عدد من الأصوات.
اليوم يواجه مبدأ «الفائز يأخذ كل شىء» موجة جديدة من الانتقادات. حتى هيلارى كلينتون التى ترشحت ضد دونالد ترامب فى انتخابات 2016، دعت إلى إلغاء الهيئة الانتخابية واختيار الرئيس الفائز فى التصويت الشعبى، مثل أى منصب آخر.
علاوة على ذلك، فإن مواطنى الولايات المتحدة أنفسهم يشككون فى مدى توافق بلادهم مع المعيار الرئيسى للديمقراطية، قدرة الدولة على ضمان التعبير العادل والشفاف عن إرادة الشعب بشكل عام.
يرى مدفيديف أن هذه قضية ملحة يتعين على الولايات المتحدة التعامل معها. الأمة منقسمة، وثمة خط فاصل بين الناس من مختلف التوجهات القيمية، ما ينعكس على الاختيار الانتخابى بين الجمهوريين والديمقراطيين. هناك فجوة واضحة بين الأمريكيين المحافظين وأولئك الذين يروجون للتغيير فى المواقف التقليدية، بين الأمريكيين «الملتزمين بالقانون«» وأولئك الذين يدعمون الاحتجاج النشط فى الشوارع، بين الذين يعملون فى صناعة التكنولوجيا العالية وأولئك الذين تم استبعادهم من التكنولوجيا.
إلى جانب ذلك، كشف السباق الانتخابى عن توترات بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات والحكومات المحلية. كشفت الاتهامات الموجهة للحكومة الفيدرالية بتجاوز سلطتها فى استخدام القوة لقمع أعمال الشغب عن تصدعات فى الفيدرالية الأمريكية.
كذلك، كانت هناك انتهاكات واسعة النطاق لقانون الانتخابات. لا تزال الولايات المتحدة تفتقر إلى إجراءات معيارية لتسجيل الناخبين وتحديد هويتهم، وإصدار بطاقات الاقتراع وتوزيعها.
وفقًا لمنظمة Judicial Watch غير الربحية، بحلول سبتمبر 2020، كان لدى 29 من أصل 37 ولاية أمريكية 1.8 مليون ناخب مسجل أكثر من عدد المواطنين الفعليين المؤهلين فى سن الاقتراع. هذا الأمر يرجع إلى حد كبير إلى حقيقة أنه لا يوجد فى الولايات المتحدة مفهوم مثل جواز السفر المحلى أو نوع من تسجيل الإقامة، ولذلك عند تغيير مكان إقامتهم، غالبا ما يفشل الناس فى شطب أنفسهم من قائمة الناخبين. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك حالات لأشخاص ماتوا منذ فترة طويلة وأدلوا بأصواتهم لأحد المرشحين. ومع ذلك، لم تجد المحاكم أى دليل على أن مثل هذه القضايا كانت منتشرة على نطاق واسع.
نشأ الموقف الأكثر حدة نتيجة للتصويت الجماعى بالبريد، والذى أدى إلى حصول جو بايدن على الغالبية أثناء فرز الأصوات. وفقا لدونالد ترامب، فإنّ هذا الأمر مهّد الطريق لمكائد غير منضبطة. وهكذا، عشية يوم الاقتراع، حاول الحزب الديمقراطى، حسبما زُعم، تغيير إجراءات عد الأصوات البريدية فى ولايات مثل ويسكونسن وإنديانا من أجل إطالة الفترة بشكل كبير. وقد جعل ذلك من الممكن تخفيف متطلبات المراقبة على فرز الأصوات.
ونتيجة لذلك، بمجرد انتهاء التصويت، أعلن الجمهوريون على الفور أنهم سيرفعون دعاوى قضائية فى ما يتعلق بالانتهاكات المسجلة فى 40 ولاية. وجد محامون يمثلون الجمهوريين أنه من غير السليم أن العديد من الولايات استمرت فى فرز الأصوات لعدة أيام بعد يوم التصويت. كانت لديهم بعض الأسئلة الجادة حول شرعية قبول الاقتراع المتأخر. ومع ذلك، رفضت المحاكم معظم الدعاوى المرفوعة حتى فى الولايات الجمهورية.
***
كل هذا لا يتماشى مع معايير الديمقراطية التى تفرضها واشنطن بغطرسة على الدول الأخرى. على سبيل المثال، يشير المسئولون الأمريكيون فى منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا باستمرار إلى ضرورة امتثال الدول المشاركة لتوصيات مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع للمنظمة، والتى تم وضعها بناءً على نتائج أنشطة مراقبة الانتخابات.
فى غضون ذلك، فشلت الولايات المتحدة نفسها فى التصرف بناءً على التوصيات ذات الصلة، منتهكة بشكل صارخ البعد الإنسانى لمؤتمر الأمن والتعاون فى أوروبا الذى انعقد فى كوبنهاجن والذى ينص على وجوب دعوة مراقبين لمراقبة الانتخابات الوطنية.
منذ العام 2002، أوصت بعثات مراقبة الانتخابات التابعة لمكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الولايات المتحدة فى تقاريرها النهائية بمنح المراقبين الدوليين إمكانية الوصول إلى جميع الولايات على المستوى الفيدرالى، ولكن هذا لم يحدث على أرض الواقع.
***
الخلافات المطوّلة حول نتائج الانتخابات فى المحاكم هى حقيقة أخرى توضح كيف أن نظام التصويت هذا غير فعال وعفا عليه الزمن.
فى حملة العام 2000، أعيد فرز الأصوات التى تم الإدلاء بها لصالح جورج دبليو بوش وخصمه الديمقراطى آل غور فى فلوريدا عدة مرات. كانت المحكمة العليا هى صاحبة الكلمة الفصل، وقد حكمت بوقف إعادة فرز الأصوات، ما أدى إلى فوز جورج دبليو بوش. بالرغم من أن العديد من الأمريكيين ما زالوا يشككون فى صحة هذا القرار، إلا أن مثل هذا الإجماع فى الوقت المناسب بين الجمهوريين والديمقراطيين كان بالضبط المطلوب لتحقيق الاستقرار بسرعة.
فى الآونة الأخيرة، لم يكن بإمكان أحد أن يتخيل أن كل هذه الاختلافات الحزبية ستؤدى إلى اقتحام مبنى الكابيتول. الهجوم الذى نفذه المتظاهرون المؤيدون لترامب أثناء عدّ الكونجرس للأصوات لم يزعج الحكومات الوطنية فى جميع أنحاء العالم فحسب، بل أدى إلى إراقة الدماء فى البلاد، التى ظل ينظر إليها حتى الأمس القريب بأنها المعيار الذهبى للديمقراطية. كان من الصعب تصديق أن الأحداث تشبه الكثير من الثورات الملونة فى «ميدان» أوكرانيا وغيرها من الثورات الملونة التى تكشفت فى السنوات الأخيرة فى مجموعة واسعة من البلدان.
جاءت الأساليب التى استخدمتها واشنطن سابقا لإرساء الديمقراطية فى البلدان الأخرى بنتائج عكسية. بلغت الحرب الأهلية الباردة التى كانت مستعرة فى الولايات المتحدة لبضعة أشهر ذروتها. وفى وقت يدين العالم الهجوم على مبنى الكابيتول، وينتظر بفارغ الصبر ما سيحدث بعد ذلك، فمن غير الواضح حتى الآن كيف يفترض أن يجد الجمهوريون والديمقراطيون أرضية مشتركة.
يمكن أن يؤدى الوضع الذى أحدثته سلسلة الأحداث المحددة سلفا بواسطة نظام التصويت القديم إلى موجات جديدة من العنف والاضطراب. ومن ناحية أخرى، أثبت النظام السياسى الأمريكى مرونته على مدى قرون.
***
هناك قضية أكثر أهمية احتلت مكانة عالية للغاية فى سياق النظام الانتخابى الأمريكى البالى، وهو الدور غير المسبوق للشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الجديدة، وبالتالى، لشركات تكنولوجيا المعلومات الخاصة التى تمتلك تلك المنصات.
وسائل الإعلام الأمريكية التقليدية، التى تنظم أنشطتها بموجب القوانين، انحازت تقليديا إلى مرشح معين، ومع ذلك كانت تعتبر أنه من الضرورى تغطية تصريحات الخصم أثناء الانتخابات وما بعدها... فى المقابل، تتجاوز وسائل التواصل الاجتماعى أية لوائح خاصة، وتعمل على أساس اتفاقيات المستخدم، وقد أطلقت الحرب الإعلامية بلا قواعد!
أعلنت المنصات الحرب ضد ترامب، وعلقت جميع حساباته، وقاموا بحظر عشرات الآلاف من مؤيدى الرئيس الحالى عبر جميع أنواع المنصات، التى كان يُنظر إليها على أنها منتديات للمناقشة العامة.
طرح هذا المستوى من الرقابة على الشركات سؤالا: من هم هؤلاء «القضاة» الذين قرروا أن، بمحض إرادتهم وبناءً على قواعدهم الخاصة، يحرموا رئيس البلاد من فرصة التواصل مع جمهور يصل إلى عدة ملايين؟
سواء كان ترامب جيدا أم سيئا، فهو مواطن، وعلاوة على ذلك، هو مسئول يتمتع بثقة ما يقرب من نصف الأمريكيين.
بإملاء شروطهم الخاصة، سعت إلى استبدال مؤسسات الدولة، وفرض وجهات نظرها بقوة على عدد كبير من الناس، من دون أن تترك أى خيار آخر لهم. لقد تم حرمان 75 مليونا من ناخبى ترامب ومئات الملايين من المشتركين فى قناته من «اختيارهم». تم تصنيف هذه الفئة ببساطة على أنها غير آمنة. أليس هذا، فى الواقع، شبحا من الشمولية السيبرانية يغمر المجتمع تدريجيا؟
ولكن حتى إذا ترك دونالد ترامب السياسة للأبد وقضى عمالقة التكنولوجيا على بصمته الرقمية، فإن العقول ستظل مستقطبة بشكل كبير.
النص الأصلى هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved