اضبطوا ساعاتكم على نبض الشباب

يوسف الحسن
يوسف الحسن

آخر تحديث: الأربعاء 23 فبراير 2011 - 10:25 ص بتوقيت القاهرة

 يتعين علينا نحن العرب، وبخاصة النخب، مراجعة جدلية خيارى الاستقرار والاستبداد، فى إطار الإنصات لنبض الشارع، قبل أن يعلو صوته بالشكوى أو بالغضب.

أيا كانت المرحلة الانتقالية فى مصر، فإن الحقيقة الكبرى هى أن مصر تغيرت، وأن النظام الإقليمى القديم، سيتعرض إلى عواصف جارفة وتغيرات حيوية، وعلى رأسها ملف الإصلاحات الحقيقية، بعيدا عن التغييرات التجميلية.

تغير مصر، سيؤدى إلى تغير الإقليم العربى، كان الأمر كذلك دوما، واليوم هو أكثر تأكيدا، وأكثر فاعلية وتأثيرا، بفضل دور مصر التاريخى، والطابع الإنسانى السلمى العميق لهذا التغيير، الذى جعل من ثورة الشباب كرنفالا يهز العالم، ويستعجل التاريخ، ويبتعد عن الخطابات المملة، والشعارات المكرورة، والثرثرة الأيديولوجية البائسة.

كان المشهد أسطوريا لا يصدق، فها هو شعب عربى يصنع تاريخا، ويستعيد القدرة على الفعل والحلم والأمل، وسنحكى لأحفادنا ذات يوم، أننا عشنا هذا المشهد الذى اختفت فيه نزاعات المؤامرة الخارجية، والفتنة الطائفية والجريمة والتحرش والفوضى، وحضرت المواطنة الصالحة، والعقل والفعل فيه للشباب، وهو يعيش عصره وأدواته، ويحشد كتلا من «التشبيك الاجتماعى» الإلكترونى، ويسخّرها للفعل السياسى الواقعى، ويستثمر التراكمات الوطنية، ويفعّل المشاركة الجماهيرية الاحتجاجية الواسعة، ويحضر كل فئات الشعب إلى السياسة.

تطور المشهد، بشكل عفوى وسلس وسلمى ومتزن، إلى ما يشبه الفعل السياسى المعنى بتقديم إجابات عن أسئلة الشرعية والمشروعية والفساد والقمع والظلم والتنمية المعاقة والدستور القاصر والنظام المغلق.

نجحت ثورة الشباب، فى بناء أدواتها ومنهجها بشكل هادئ ومتدرج، وفرضت نفسها وشرعية مطالبها عند الشعب، وعند مؤسسات النظام نفسه، وأمام العالم كله.

ولعل من أكبر إنجازاتها، أنها أحضرت الشعب إلى السياسة، بعد أن تم تأميمها، وتجريف الحياة السياسية من خلال العنف والإفساد والإقصاء. وكلما كان النظام يوغل فى المراوغة والعناد، كانت تتعمق مشروعية ثورة الشباب ومطالبهم، وتحضر جماهير وفئات جديدة، وتتوسع أفقيا وعموديا فى اكتساب أطياف متنوعة من الشعب، ومن دون أن تبدى أى ردود فعل عنيفة على عنف النظام وأتباعه.

ومن أبرز سماتها، أنها ثورة شباب جاءت من خارج إطار النظام السياسى المصرى ــ الحكم والمعارضة ــ فالحكم كان قد افتقد القوة السياسية الراجحة تنظيما ومؤسساتيا، أما المعارضة، فكانت تعانى من أزمات بنيوية وقصور ذاتى وضمور فى أنشطتها وفاعليتها. فى حين وصلت فيه مؤسسات المجتمع المدنى إلى حالة بائسة من الهشاشة والضعف.

وفى ظل هذه الأوضاع، التحقت المعارضة بهذه الثورة الشبابية، وحاولت التعبير عنها وتبنى مطالبها، بعد أن تراكم الغضب والحنق الشعبى لسنين طويلة.

لا أحد فى العالم العربى، سأل عن سبب غياب الشعارات الأيديولوجية عن لافتات شباب الثورة المصرية، ولا عن غياب قضايا العراق وفلسطين والسودان، والاستعمار وما شابه ذلك من شعارات.

ولا أحد استغرب، غياب شعارات التنديد بالسياسة الخارجية المصرية المعاقة عربيا وأفريقيا ودوليا.

هل كان المواطن العربى يدرك، أن مصر المستقبل، ستتولى الإجابة عن هذه التساؤلات؟ وأن دورا جديدا فاعلا لمصلحة العرب ومستقبلهم ينتظر مصر الجديدة؟

نسى المواطن العربى أثناء المشهد المصرى التغييرى، السودان وهو يعيش لحظة تحلل بطىء، ونسى ما تسمى بعملية السلام فى الشرق الأوسط، وهى تكشف عن سوءاتها وما تبقى من أوراق توت تستر عوراتها، ونسى معاناته اليومية، ورأى فى ما يجرى فى مصر، ولادة جديدة لأحلام تلاشت، وعودة روح، لأجيال شابة، ظننا يوما أنها استنقعت وضاعت، وفقدت مشيئتها وهويتها.

التغير فى مصر، سيتجاوز فى فاعليته الميدان السياسى، إلى ميادين الثقافة والفكر والمفاهيم والأخلاق وغيرها، أما أعداء هذا التغيير، فإنهم سيراهنون على بقائه فى حدود المطالب المعيشية، فى وقت يدرك فيه الشعب المصرى، فى ولادته الجديدة، أن الذين أفقروه وأهانوه وقزّموا دوره، وشوهوا صورته فى عيون الأشقاء والأصدقاء والعالم، وهدروا موارده، وانتهكوا كرامته، وأعاقوا تنميته وتعليمه وإعلامه وفنونه، هم الذين نحروا معنى مصر، وغيبوا عبقرية المكان والناس، واستغلوا معاهدة كامب ديفيد، ليؤسسوا نظاما مرتبطا بمصالح خارجية، وأعادوا هيكلة الاقتصاد، لمصلحة الانفلات والفساد، حيث تضاءلت الدولة فى المجتمع وفى الاقتصاد، وتغوّلت فى القمع وتأميم السياسة، وغيّبت منطق «الدولة وطن يظل الجميع»، فهرمت مصر، وعاثت ثعالبها فسادا.

ما المطلوب منا نحن العرب تجاه مصر الجديدة؟

مطلوب أولا، احترام خيارات الشعب العربى فى مصر، فى ظل نظام ديمقراطى ومستقر منتظر، وتمكينه من انتقال آمن وسلس، بعيدا عن الفوضى والارتباك أو سرقة الثورة.

لقد انتهت أو قاربت على الانتهاء لحظة التغيير، وثورة الحرية، لتبدأ ثورة توطيد الديمقراطية والعدالة، وبناء التنمية الحقيقية، وهى التنمية التى تعثرت فى ظل انفتاح، سماه المرحوم أحمد بهاء الدين «السداح المداح»، حيث تم تكييف الاقتصاد المصرى مع حاجات أسواق الغرب، على حساب التصنيع والتصدير، فازداد الفقراء فقرا، وتخلخلت بنية الاقتصاد المصرى، وعاث الفاسدون فيه نهبا وتخريبا.

إن أمام مصر الجديدة، تحديات هائلة، فى إعادة بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة. فضلا عن المفاهيم والسلوكيات الديمقراطية القادرة على إحداث تحول أسرع وأكثر ثباتا، وأعمق تأثيرا لمصلحة أغلبية الشعب، ولمصلحة المستقبل، بما يلبى طموحات الأجيال الشابة وتوقعاتها.

كما يتعين علينا نحن العرب، وبخاصة النخب، مراجعة جدلية خيارى الاستقرار والاستبداد، فى إطار الإنصات لنبض الشارع، قبل أن يعلو صوته بالشكوى أو بالغضب، طلبا للحرية والكرامة والعمل والعدالة، كما يتعين أيضا على العرب، تقديم المساعدة المادية والفنية والمعنوية لمصر الجديدة، وبخاصة أنه من المتوقع أن يتردد الغرب فى تقديم المساعدة غير المشروطة والمكبلة لحرية أهل الكنانة، قبل أن تظهر سياسات مصر الجديدة تجاه التزامات العهد السابق وأدواره البائسة، التى قام بها لخدمة المصالح الخارجية وبخاصة تحريضه للدول العربية على قبول شرعية الدولة العبرية وسياستها.

إن كثيرا من عقلاء العرب، يراهنون على مصر الجديدة، لتصحيح المسار فى العلاقات العربية العربية، وفى العلاقات العربية مع الإقليم والعالم، بما يوفر سلما أهليا عربيا مستقرا وفاعلا ودائما، لا مكان فيه لعنف مادى أو فكرى، ولا مكان فيه لإرهاب أو تكفير أو فتنة مذهبية أو طائفية، ولا استدعاء لأجنبى لتحرير أرض أو «رقبة».

علمتنا تجارب الماضى والراهن، أن البيئة السلطوية والقاصرة، هى حاضنة مثالية لبذور الغلوّ والتطرف والعنف العبثى والفساد الكريه، وفيها تتأجج الفتن المذهبية والطائفية والعرقية، وترتكب الكبائر وتنتحر الأوطان، فى حين توفر البيئة الديمقراطية والنظام العادل، مناخات صحية، يخسر فيها العنف الدموى والتطرف قواعده الشعبية، وركائزه الفكرية، وتجفف ينابيعه.

إن ثورة التوقعات فى مصر، تحتاج إلى تعبئة الطاقات وحشد الجهود الوطنية والقومية، للخروج من تحت سقف النظام القديم، ومؤسساته ومفاهيمه وسياساته، التى أدت إلى انهياره، وتعطيل إنتاجية المصريين، وهدر مواردهم وإعادتهم إلى الوراء فى شتى الحقول.

لقد تآكل النظام، من دون أن يشعر أنه سار نحو لحظة الانهيار.. لقد كانت خياراته فى الداخل خطأ بامتياز.

حتى الآن.. تبدو المرحلة الانتقالية سلسلة ومنظمة، والأهم ألا تنطفئ جذوة الأمل والروح الجديدة، بل أن تظل حاضرة ومستنفرة حتى ترسم حال مصر المستقبل.. وإلا تعرضت إلى الانكسار.

اضبطوا ساعاتكم على عقارب هموم الشارع العربى.. ونبض الشباب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved