عرب أوروبا فى أزمة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الثلاثاء 23 فبراير 2016 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

هموم العرب فى الشرق ألهتهم عن معاناة إخوانهم فى الغرب. وفى حين أن الأخيرين غادروا أوطانهم العربية الأصلية أملا فى الاستقرار والبحث عن حياة أفضل فى الدول الغربية، فإن الهم لاحقهم حيثما ذهبوا. حدث ذلك بعدما تصور العرب أن وضعهم فى أوروبا استقر وتحسن، واقتنع نفر من الباحثين أن وضع الأوروبيين القريبين من العالم العربى أتاح لهم أن ينظروا إلى المجتمعات العربية نظرة أكثر صوابا وتفاؤلا، بخلاف الوضع فى المجتمع الأمريكى الذى يحفل بالدعايات المضادة للعرب وتتعدد فيه المنابر المعادية لهم، خصوصا اللوبى الصهيونى صاحب النفوذ الأكبر فى الكونجرس وفى وسائل الإعلام. شجعتهم على ذلك التفاؤل عدة عناصر بدت إيجابية، كان منها أفول التيار اليسارى الأوروبى القديم الذى مثله تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وكان معاديا للعرب ومنحازا إلى الإسرائيليين. وهو ما اعتبر «تطورا يعبر الطريق أمام تحسن العلاقات العربية الأوروبية ويفسح المجال أمام صعود قيادات يسارية بريطانية وأوروبية أكثر نقاء والتزاما بالمبادئ الإنسانية وتجاوبا مع قضية فلسطين» ــ والفقرة السابقة مقتبسة من تحليل لأزمة العرب فى أوروبا للكاتب اللبنانى غيد الصلح المستقر فى إنجلترا (الحياة ــ ١٠/٢).

التطور الثانى الذى أسهم فى التفاؤل تمثل فى موقف السيدة انجيلا ميركل المستشارة الألمانية التى انتهجت سياسة فتح الأبواب أمام المهاجرين العرب، الأمر الذى كان له أثره الإيجابى فى التوجه السياسى للقارة، رغم حملات التحريض عليهم التى شنتها المنظمات الصهيونية والقوى اليمينية المتطرفة، تزامن ذلك مع النجاحات التى حققتها حملة مقاطعة إسرائيل، التى دفعت الاتحاد الأوروبى إلى عدم الاعتراف بمنتجات المستوطنات الإسرائيلية التى تفتقد إلى الشرعية من وجهة نظر القانون الدولى.

هذا التفاؤل تآكل بصورة تدريجية بفعل عاملين أساسيين هما: الأول تفجيرات تنظيم داعش فى باريس التى وقعت فى شهر نوفمبر من العام الماضى وأدت إلى مقتل ١٢٩ شخصا وإصابة المئات، واتهم فيها عرب يحملون الجنسية الأوروبية. وأدت تلك التفجيرات إلى تأليب الرأى العام الفرنسى الأوروبى ضد العرب المسلمين، خصوصا بعدما أثيرت شكوك قوية حول احتمال تكرار التفجيرات فى أقطار أوروبية أخرى. العامل الثانى تمثل فى الاعتداءات البشعة التى تعرضت لها النساء أثناء الاحتفال بعيد رأس السنة الجديدة فى مدينة كولون الألمانية، واتهم فى تلك الجرائم عدد من الشبان ذوى الأصول العربية، وتم الزج بالمهاجرين فى قائمة المتهمين وهو ما فتح الأبواب واسعة أمام التيارات اليمينية والصهيونية لشن حملة قوية ضد الوجود العربى والمطالبة بتطهير ألمانيا منهم، وكان التركيز على المهاجرين أشد رغم ما تبين من أن ثلاثة فقط من المهاجرين العرب شاركوا فى تلك الأحداث من بين ٥٨ شخصا ألقى القبض عليهم بسببها.

ترتب على هذين العاملين أن ثقافة الترحيب بالمهاجرين العرب شهدت تراجعات ملحوظة، فى حين علت الأصوات الداعية إلى تبنى سياسة ترحيلهم خارج الأقطار الأوروبية.

إذ لم تنقلب الصورة فى ألمانيا فحسب وإنما كان لذلك الانقلاب أصداؤه فى مؤتمر ميونيخ للأمن الذى عقد فى وقت لاحق، إذ شهد المؤتمر ما يشبه الإجماع على رفض الهجرة العربية والانتقاد المباشر وغير المباشر لموقف السيدة ميركل إضافة إلى الإعراب عن القلق إزاء ما اعتبر تهديدا لأوروبا، وصفه وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بأنه بمثابة خطر «وجودى» يهدد نسيج الحياة فى أوروبا، فى إشارة غير مباشرة إلى الطابع العربى لتلك الهجرة. وهو موقف تضامن معه وأيده رئيس حكومة الحزب الاشتراكى الفرنسى مانويل فالس الذى عبر عن مخاوفه على مستقبل القارة الأوروبية نتيجة فتح باب الهجرة إليها. وكان رئيس الحكومة الروسية ديمترى مدفيديف الأعلى صوتا بين المشاركين فى استهجان ومعارضة موقف المستشارة الألمانية.

حيث قال إنه «من الغباء فتح أبواب أوروبا مشرعة أمام المهاجرين ودعوتهم للقدوم إلى القارة»، مضيفا أن سياسة الهجرة التى تتبعها أوروبا «فاشلة كليا».

الشاهد أن حملة رفض المهاجرين والمتجنسين العرب أصبحت تتزايد حينا بعد حين، الأمر الذى بات يهدد وجود نحو ٢٠ مليون عربى فى أنحاء أوروبا، وفى الوقت الذى تتفاعل المسألة على ذلك النحو فإن العالم العربى يقف مديرا ظهره لما يجرى هناك، ومستغرقا فى همومه الداخلية. ومن المفارقات التى تثير الانتباه أن بعض الوفود والقيادات العربية حين تصل إلى العواصم الأوروبية، فإنها لا تكف عن الحديث عن الإرهاب، رغم أن ثمة أنظمة عربية تمارس إرهابا كما هو الحاصل فى سوريا والعراق، وهناك أنظمة أخرى لا تعانى من المشكلة لكنها لا تتردد فى وهم معارضيها بالإرهاب لتتذرع به فى انتهاج سياسة القمع وتقييد الحريات.

الأمر لم يحسم تماما فى أوروبا، لكن الجدل مستمر حول المصالح والمفاسد المترتبة على وجود العرب فى القارة التى تعانى نقص الشباب وتراجع معدلات النمو السكانى وحتى الآن على الأقل لم نجد طرفا عربيا غيورا سعى إلى محاولة إقناع عقلاء الأوروبيين بأن المهاجرين ليسوا أشرارا وأن أسلمة أوروبا دعاية كاذبة، وأن العرب يمكن أن يشكلوا إضافة تسهم فى إنعاش الاقتصاد الأوروبى، كما فعل الأتراك فى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

قبل أن يهاجروا كان السوريون الذين انفرد بهم نظام الأسد يهتفون «ما إلنا غيرك يا الله» ويبدو أنهم لن يتوقفوا عن ترديد الشعار حتى بعدما نجوا من القصف ووصلوا إلى القارة الأوروبية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved