عندما يغيب الخوف من الآخر

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الإثنين 23 مارس 2009 - 5:22 م بتوقيت القاهرة

سؤال أول:
لماذا تستطيع دولة صغيرة كالكويت حلَّ إشكالية برلمانية، بالغة الصعوبة وبالغة الامتلاء بشتى المشاعر العاطفية المتضاربة المتصارعة، وذلك بهدوء وبدون تشنٌّجات وبدون استعراض لقوة العضلات؟ الجواب هنا يكمن فى أنَّ كلا من الجهتين المتخاصمتين يعرف حدوده التى تكونت واستقرّت عبر التاريخ البرلمانى لهذا البلد. فالنظام الحاكم وعى وقرّر منذ بداية الاستقلال أن شرعيته تعتمد على مدى توافق المجتمع الكويتى بشأن تلك الشرعية، وبالتالى عمل واستطاع، على مدى ستة عقود، على عدم اهتزاز أو تناقص ذلك التوافق. وقوى المجتمع وعت وقررت منذ الاستقلال أن استقرار مجتمعها ونماءه سيعتمدان دائما على بناء تلك المعادلة المتفق عليها: حكم يحترم دستورا وقوانين تصدر عنه، ومجتمع يعترف بشرعية الحكم مادام أنه يفى بوعوده التى قطعها على نفسه وتجاه شعبه، مع وعدٍ باحترام إرادة المجتمع المتمثلة فى برلمان ديمقراطى منتخب. وقد يحلّ هذا البرلمان عدة مرات فى فترة قصيرة، وقد تجرى انتخابات مرهقة لا حصر لها ولا عدَّ، ولكن كل ذلك يجرى ضمن اللعبة الدستورية التى يلعبها الجميع بحذر وشفافية حقيقية.

إذن؛ نحن أمام وضع فيه صراع مصالح، وفيه شدُّ وجذب، ولكن ليس فيه خوف الأطراف من بعضها البعض. فغياب عامل الخوف من انقلاب أى جهة على الشرعية المتفق عليها منذ الاستقلال، غياب الخوف من الغدر من قِبل الآخر، ذلك ما يجعل الصراعات والخلافات السياسية هادئة غير متفجرِّة، وذلك ما يجعل الحديث عن أىِّ تغييرات أو تعديلات فى الدستور غير وارد، أو فى أسوأ الأحوال يجعله موضوعا هامشيا للغاية.

سؤال ثانٍ:
لماذا يستطيع النظام الإيرانى المحاصر من الغرب والذى تعاديه معظم دوله أن يقف أمام العرض الأمريكى الجديد برباطة جأش وباتزان بدون أى تردد؟ فلا يصاب من جهة بعاطفة الأطفال الذين تهزُّهم رؤية لعبة تقدّمها هذه اليد أو تلك، ولا تحكمه من جهة أخرى انتهازية من لا يريد أن تضيع عليه فرصة قد لا تعود مرَّة أخرى . بل إن القيادة الإيرانية تتعامل فى الحال بندىِّة غريبة على منطقتنا وتطرح فى الحال شروطها هى فى التعامل مع العرض الأمريكى. مرَّة أخرى، نحن أمام قضية عدم الخوف من الآخر. فالقوى السياسية الرئيسية فى إيران قد وضعت لنفسها حدودا واضحة: نستطيع أن نتنافس ونتصارع ونحاول الاستيلاء عـلى السلطة، ولكننا لن نفعل ذلك من خلال الاستقواء بالخارج ولا بالغدر ببعضنا البعض، ولا بالغدر بالثورة الخمينية نفسها. هذه خطوط حمراء ستجعل من يتخطاها يخسر المجتمع برمّته. هنا إذن يلعب غياب الخوف من أن يكسر الآخرون قواعد اللعبة دورا حاسما فى التعامل مع العرض الأمريكى بندىِّة وبهدوء أعصاب.

إن وجود الخوف من الآخر والرُّعب مما يمكن أن يفعله ــ بسبب عدم وجود اتفاقات ضمنية أو اتفاقات عقدية يحترمها الجميع كالدستور مثلا ــ يجعل من الحياة السياسية فى أى بلد مسرح عبث وتآمرا دائما. هناك قول مأثور لنابليون بونابرت من «أن هناك قوُتين تجمعان الناس: الخوف والمصالح». فإذا زال عامل الخوف فإن كِفّة المصالح ترجُح ومعها تستقر الحياة السياسية. وإذا طبقّنا ما يقوله المثل الإسبانى من «أن الحياة المليئة بالخوف هى نصف حياة معاشة» فإن الحياة السياسية، القائمة على خوف قواها من بعضها البعض، تصبح نصف حياة سياسية معاشة، وبالتالى حياة عرجاء كسيحة.
إن وراء الخوف غيابَ الثقة فى الآخر. والثقة لا يبنيها إلا الاطمئنان الذى ترسَّخ عبر التاريخ وعبر الأفعال وعبر احترام المواثيق.

إن أحد أهم أسباب الاضطراب فى الحياة السياسية العربية، بصورة عامة، هو عدم وجود تلك الكيمياء التفاعلية المتوازنة بين الخوف والثقة والاطمئنان فى علاقات القوى السياسية العربية وفى تعاملها مع الأحداث الداخلية والخارجية. بينما يضمن وجود تلك الكيمياء التفاعلية حلُّ الإشكالات بحكمة، كما شاهدنا فى الكويت، والتعامل مع الخارج باتزان وندىِّة كما شاهدناه فى المسرح الإيرانى.  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved