السؤال الإيرانى فى أحوال مستجدة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 23 مارس 2022 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

تقتضى الانقلابات المحتملة فى الإقليم نظرة أخرى على الدور الإيرانى وموازين القوى التى قد تستجد إثر التوصل إلى إحياء الاتفاق النووى فى مباحثات فيينا الماراثونية.
العودة إلى الاتفاق النووى يفضى مباشرة إلى تمركز إيرانى جديد فى معادلات الإقليم أكثر ميلا إلى إعادة تعريف دورها ومصالحها فى نظام إقليمى جديد يكاد أن يولد بالتزامن مع نظام دولى جديد تتشكل حقائقه الأساسية تحت وهج النيران فى الأزمة الأوكرانية.
توجد الآن حالة تأهب واسعة بالإقليم ترقب ما يحدث وتتحسب للنتائج.
هناك ميل عام إلى التمركز من جديد انتظارا لما قد يحدث من تطورات وتفاعلات تنعكس بالضرورة على أوزان وأحجام القوى الإقليمية المتنازعة.
كانت زيارة الرئيس السورى «بشار الأسد» للإمارات لافتة فى توقيتها ومغزاها، فقد تؤشر على قرب عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
لم يعد مستبعدا أن يشارك «الأسد» فى القمة العربية المقررة بالجزائر.
هذا ما يمكن استنتاجه دون عناء.
لم تكن الزيارة مفاجئة بذاتها، فقد أعيدت العلاقات الدبلوماسية الكاملة وسط مراسم احتفالية، وجرى تبادل للزيارات على مستوى وزارى.
الحدث يكتسب قيمة إضافية من سياقه ورسائله فى لحظة تحول مزدوجة بالنظامين الإقليمى والدولى.
بدت الحفاوة التى استقبل بها «الأسد» بعد أحد عشر عاما من القطيعة السياسية رسالة انفتاح على اللاعبين الروسى والإيرانى الداعمين له فى الأزمة السورية.
الولايات المتحدة أعربت عن رفضها للتطبيع مع «الأسد» وإسرائيل أبدت ضيقا بالغا من دعوات إعادة إدماج دمشق فى محيطها العربى.
لم يكن هناك ما يستدعى عقد قمة مصرية إماراتية إسرائيلية فى شرم الشيخ، ولا كان مقنعا أن جدول الأعمال تطرق إلى الأمن الإقليمى، والأمن الغذائى، واستقرار أسواق الطاقة، فليس لدى إسرائيل ما تقدمه ولا هى معنية بأية قضية خارج حساباتها الأمنية والقضية الفلسطينية تحت مقصلة التقتيل اليومى.
ما يعنيها ويقلقها ــ أولا ــ أن تتضرر تحالفاتها الإقليمية إذا ما ارتفعت وتيرة إدماج دمشق فى محيطها العربى وتراجع موجة التطبيع معها.
وما يعنيها ويقلقها ــ ثانيا ــ أن يتسع حجم الدور الإيرانى على حسابها فى عالم جديد يكاد يعلن عن نفسه.
وما يعنيها ويقلقها ــ ثالثا ــ أن تدخل مصر إلى ساحة الحوار مع إيران لاعبا أساسيا بحكم حجمها ودورها التاريخى فى العالم العربى.
ردة الفعل الإسرائيلية على زيارة «الأسد» أقرب إلى محاولة قطع طريق على أية تغييرات إيجابية فى تفاعلات الإقليم قد تواكب تآكل مكانة الولايات المتحدة كقطب وحيد فى نظام دولى متهالك يومئ بالغروب.
لوقت طال نسبيا جرت جولات حوار بين إيران والسعودية فى سلطنة عمان ثم فى العراق دون أن تصل إلى نتائج ملموسة، انتظارا لما قد تسفر عنه التغييرات المحتملة فى النظامين الدولى والإقليمى من أوضاع وحسابات جديدة.
فى البداية أبدت إيران حماسا أكبر للتوصل إلى تفاهمات بشأن الأزمة اليمنية، التى تتصدر اهتمامات الرياض أكثر من أى أزمة أخرى، ومانعت السعودية رهانا على الدعم الأمريكى والقدرة على الحسم العسكرى.
عندما ظهر أن إحياء الاتفاق النووى ممكن ومتاح التفتت السعودية إلى قناة الحوار شبه المعطلة، طالبة من إيران التدخل بالوساطة مع الحوثيين، غير أنها فوجئت برد أقرب إلى الرفض: «هذه أزمة يمنية.. تفاوضوا مباشرة».
كان ذلك تعبيرا عن اعتقاد راسخ بأن تأجيل البت فى الملف اليمنى لما بعد إحياء الاتفاق النووى يضع إيران فى موضع قوة نسبى.
هكذا فإن الأزمة اليمنية فى وضع انتظار لما قد يحدث بعد انتهاء مباحثات فيينا.
بنصيحة أوروبية دعت السعودية إلى مؤتمر وطنى يمنى لا يستثنى أحدا لتجديد هيكل القيادة حتى تكون أكثر كفاءة فى أية مفاوضات تحدث تاليا.
لم يتجاوب الحوثيون مع أية مبادرة سعودية.
كان ذلك استثمارا سياسيا مبكرا فيما قد يحدث بعد العودة إلى الاتفاق النووى حين تتضح مراكز الأطراف الإقليمية المتنازعة فى عالم يتغير.
كانت العمليات الحوثية الأخيرة على مواقع حساسة بالسعودية بصواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيرة رسالة سياسية صريحة وواضحة، لا مفاوضات الآن.
إعادة التمركز عنوان رئيسى فى كل ما يحدث حولنا.
التمركزات الجديدة لا تتعلق بتعديلات جوهرية فى السياسات والتحالفات، بقدر ما هى حالة تأهب خشية أن تداهم عواصف التطورات حساباتها ومصالحها.
أين مصر من ذلك كله؟
إنها بحاجة أن تقرأ المتغيرات حولها، حتى لا تجد نفسها فى وضع ابتزاز تحت ضغط أزماتها الاقتصادية، أو أسيرة حسابات قديمة تنال من سلامة أمنها القومى.
تأخرت بأكثر مما ينبغى فى اقتحام الأزمة السورية بتطبيع العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق.
استعادة سوريا لكامل عافيتها مسألة أمن قومى مصرى.
الحوار مع إيران فى العلن الدبلوماسى عنوان آخر للمصالح المصرية العليا.
هناك تباينات وخلافات تحتاج إلى مقاربات مختلفة، خاصة فى ملفى: «أمن الخليج» و«نزيف اليمن»، وملفات أخرى ملغمة بالتساؤلات القلقة والشكايات المعلقة فى لبنان والعراق وسوريا.
الحوار مدخل ضرورى لتخفيض منسوب العنف والقلق فى الإقليم المنكوب.
الشرط الأول لنجاحه، أن يكون صريحا وواضحا، يعترف كل طرف فيه للآخر بما هو مشروع دون تغول.
والشرط الثانى، أن يضطلع بمهمة إدارة الحوار طرف لم يتورط فى دم ويحظى تاريخيا بقبول واسع من أطرافه كلها.
هناك من لا يريد لمصر أن تخرج إلى إقليمها، تفاوض وتحاور باسم العالم العربى، تبنى علاقاتها على أسس من المصالح المشتركة.
«لماذا مصر؟».. هكذا تساءل ذات حوار مسئول سعودى رفيع تعليقا على ما كتبته قبل سنوات من أن مصر يمكن أن تلعب دور «محامى الخليج» فى أى حوار مفترض مع إيران.
«من إذن؟».. أجاب بوضوح: «نحن»!
تكبيل السياسة الخارجية المصرية مسألة زادت عن حدها.
فى عام (1979) جرى بالتزامن تحولان جوهريان فى الإقليم وحساباته.
الأول، الثورة الإيرانية، التى أفضت إلى إنشاء سفارة فلسطينية فى نفس مقر سفارة الدولة العبرية وتغيير بوصلة توجهات طهران عما كانت عليه فى عهد الشاه «محمد رضا بهلوى»، الذى كان ينظر إليه كـ«شرطى أمريكا فى الشرق الأوسط».
والثانى، معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التى أفضت إلى خروج أكبر دولة عربية من الصراع العربى الإسرائيلى وانفراد إسرائيل بالدول العربية واحدة إثر أخرى، حتى كادت تتبدد أنبل القضايا.
على مدى سنوات طويلة طرح السؤال نفسه: «متى تعود العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران؟».
يميل أغلب الدبلوماسيين المصريين إلى أن هناك ضرورات لعودة العلاقات فى العلن الدبلوماسى وعدم الاكتفاء بتفاهمات الكواليس الأمنية، التى شملت الحوثيين فى أوقات سابقة.
«أليسوا جزءا من الشعب اليمنى؟»ــ بنص عبارة لمسئول رفيع.
هكذا جرى تكبيل حرية الدبلوماسية المصرية بحساسيات مفرطة من بعض الحلفاء المفترضين، أو من الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
كان مثيرا أن جميع دول الخليج، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والدول الغربية بلا استثناء، تجمعها علاقات دبلوماسية مع إيران بينما مصر وحدها تقاطع!
التطورات الجارية ترشح إيران لاستعادة جميع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية.
المأساة اليمنية تستحق المبادرة لحلحلتها دون أن يكون لأحد حق الاعتراض.
فى حوار مع وزير الخارجية «سامح شكرى» عقب صعوده إلى منصبه عام (2014) قال حرفيا: «أنا مع عودة العلاقات مع إيران.. لكن ليس الآن».
بعد نحو ثمانى سنوات فإن السؤال الإيرانى يطرح نفسه مجددا بأوضاع مستجدة وعاصفة: «متى تعود العلاقات؟.. ما نقاط الاتفاق والاختلاف؟.. كيف نسد الفجوات ونؤسس لأوضاع أكثر عدالة فى الإقليم المضطرب؟».
الحوار مع إيران الآن.. وليس غدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved