عاصمة جهنم!

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الخميس 23 أبريل 2009 - 7:21 م بتوقيت القاهرة

 بعد أن ضربوا أخماسا فى أسداس، خلال زيارتهم لمصر الأسبوع الماضى، أعلن نواب بمجلس العموم البريطانى أن مشكلة المرور فى شوارع القاهرة تحتاج إلى معجزة إلهية لحلها.. وهى نفس النتيجة التى توصلت إليها، وجعلتنى أكاد أجزم، بعد عدة رحلات قمت بها إلى عواصم عربية وأوروبية أن ابليس شخصيا مع عدد من كبار زبانيته انتقلوا للإقامة فى القاهرة ويقيمون حفلات تعذيب لسكانها فى عز الظهر، بعد أن حولوا شوارعها وميادينها إلى قطعة من جهنم!

وما يؤكد ظنونى أن تقريرا للبنك الدولى أشار إلى أن مابين 10 آلاف إلى 25 ألف مصرى يلقون حتفهم سنويا بسبب إصابتهم بأمراض متعلقة بتلوث الهواء فى القاهرة. وفى تقارير حكومية مصرية فإن شوارع القاهرة الكبرى يجرى فيها نحو 3 ملايين و700 ألف سيارة، تصب عوادمها فى الهواء الذى يتنفسه سكانها مواد كيماوية مسرطنة تتجاوز 10 مرات الحد المسموح به عالميا، إضافة إلى انبعاثات ١٣٦٠٨ مصانع و١٥٥ من المكامير، و189 من الفواخير، و٩٢٨ مسبكا، و263 مصنع طوب، و273 كسارة وفرن جير، و٥١ محجرا، و٤٣ مصنعا كبيرا، بالإضافة إلى حرق ٢٠ ألف طن مخلفات بلدية صلبة بما تتضمنه من قمامة ومخلفات طبية يوميا، على حسب ما ذكرته الزميلة «المصرى اليوم»، استنادا إلى تقارير رسمية!!

وأنا لا أدرى ماذا قال النواب البريطانيون عن نقص الديمقراطية فى حياتنا السياسية وهل نحتاج أيضا إلى معجزة من السماء لحلها.. ولكنى اكتشفت أن القبح الذى ينتشر فى القاهرة هو الوجه الآخر للقبح فى حياتنا السياسية.. وأن الميكروباصات وما تسببه من خلل فى شوارعنا تشبه القوانين السيئة السمعة التى تكبل حركة الأحزاب والقوى السياسية المعارضة.. واكتشفت أيضا أنه كلما زادت الفوضى و«السفالة» والتحرش فى شوارع القاهرة، زادت الخلافات داخل أحزابنا وزادت هيمنة الحزب الوطنى على أجهزة الدولة مع الاستمرار فى تزوير الانتخابات وانتشار الفساد.. وباختصار فإن التسمم فى هواء القاهرة هو نفسه التسمم فى حياتنا السياسية..!

والمأساة الكبرى لم تعد فقط فى حجم التلوث الذى يحاصرنا، ولكن فى حجم اللامبالاة التى تبدو على كبار وصغار مسئولينا تجاه المشكلة.. فلا أحد منهم يهتم فعلا بحلها.. ومثلما يرى السياسيون فى حكومتنا أننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية، فلا يمكن أن ننتظر من التنفيذيين أى اهتمام حقيقى بالمستقبل المظلم الذى تنحدر إليه القاهرة.

وأنا لا أراهن على أى حل مؤسسى سواء لكوارثنا السياسية أو البيئية.. ولكن إذا كنا نخاطب الرئيس مبارك ليتدخل شخصيا لحل بعض الأزمات السياسية أو الاقتصادية.. فيبدو أنه لا مناص من التوجه إلى السيدة الفاضلة سوزان مبارك لكى تتدخل شخصيا لحل كارثة التلوث بالقاهرة، فى سياق اهتماماتها بمكتبة الأسرة وحقوق المرأة والأطفال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved