الأزمة الدستورية الراهنة..أصلها وكيفية الخروج منها

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 24 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

نحن بالفعل فى قلب أزمة دستورية حقيقية، والخروج منها ضرورى إن كان هناك أمل فى أن تنتهى المرحلة الانتقالية على خير. ولكن قبل استعراض البدائل المتاحة للخروج من هذه الأزمة، لنسترجع باختصار ما الذى أوصلنا إلى الوضع الحالى.

 

منذ ما يزيد على العام بقليل (يوم 30 مارس 2011) أصدر المجلس العسكرى إعلانا دستوريا من ثلاث وستين مادة، مستندا على ثمانى مواد وافق عليها الشعب فى استفتاء سابق على ذلك بأسابيع. وقد حدد الإعلان الدستورى أسس إدارة البلاد فى المرحلة الانتقالية بحيث تنتهى بانتخاب برلمان ورئيس جمهورية وكتابة دستور جديد لمصر. ولكن للأسف أنه جاء معيبا من أوجه كثيرة، أهمها ما جاء بالمادة (60) بشأن كتابة الدستور، إذ نصت على أن يقوم الأعضاء المنتخبون من مجلسى الشعب والشورى بانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو لوضع الدستور الجديد دون أى تحديد لمعايير أو آليات هذا الاختيار. كذلك فإن الإعلان الدستورى رتب خطوات الخروج من المرحلة الانتقالية ترتيبا غير منطقى يؤدى إلى انتخاب رئيس الجمهورية قبل الانتهاء من وضع الدستور، وذلك برغم تحذير القوى السياسية من خطورة هذا الوضع ومطالبتها بأن يكون إصدار الدستور الجديد قبل انتخاب الرئيس («الدستور أولا»). أساس ما نحن فيه إذن من وضع دستورى متأزم هو الإعلان الدستورى المعيب الذى وضعنا منذ البداية على مسار منحرف.

 

ثم جاءت الانتخابات البرلمانية وأسفرت ــ بكل عيوبها ومشاكلها ــ عن برلمان منتخب أعطى الناس أملا فى الخروج من المرحلة الانتقالية بسلام. ولكن للأسف أن أداء البرلمان جاء ضعيفا ومضطربا وأن الأغلبية البرلمانية لم تنجح فى تكوين اجماع وطنى حولها، فكانت النتيجة تشكيل جمعية تأسيسية رفضتها جميع الأحزاب الأخرى والقوى السياسية والاجتماعية، بما فيها من نقابات، وجمعيات، وأزهر، وكنيسة، ورأى عام واسع، وهو الوضع الذى انتهى بصدور حكم قضائى بوقف تشكيل الجمعية التأسيسية، فعدنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى.

 

ثم بدأت مشاورات تصحيح شكل الجمعية التأسيسية، وبدلا من أن تكون مناسبة لضم الصفوف وتجاوز الأخطاء الماضية، إذا بها تتحول إلى مباراة يسعى كل فريق فيها إلى تسجيل نقاط سريعة، سياسيا وإعلاميا. والنتيجة أننا ــ وبعد أسبوعين من وقف تشكيل الجمعية الأولى ــ لا نزال عاجزين عن الاتفاق على تشكيل الجمعية الثانية أو التوصل حتى لمعايير تشكيلها لأن الأحزاب لا تريد أن تتوصل إلى توافق يحقق تمثيلا متكافئا ومتوازنا للمجتمع. والأخطر من ذلك أن الناس بدأت تضجر من استمرار هذا الحوار الذى يبدو عقيما، وبدأت تنصرف عن الأحزاب السياسية ومناوراتها، وصارت على يقين أن هذه القوى السياسية لا تكترث إلا بمصالحها الضيقة. وسوف تكون خسارتنا كبيرة لو فقدت الجماهير اهتمامها بالدستور واعتبرت أنه موضوع يخص النخبة السياسية غير المهتمة بالتواصل مع الناس أو بمشاكلهم.

 

ولنترك أسباب الأزمة وننظر فى البدائل المتاحة للخروج منها. وهنا سوف نجد أن الموضوع ليس سهلا لأنه توجد ثلاثة اعتبارات أساسية متعارضة ولابد من الاختيار بينها. الاعتبار الأول هو ضرورة انتهاء المرحلة الانتقالية بتسليم السلطة من الحكم العسكرى إلى رئيس منتخب قبل نهاية يونيو القادم. والاعتبار الثانى هو ضرورة الانتهاء من وضع دستور جديد للبلاد قبل انتخاب الرئيس وإلا كان رئيسا غير محدد الصلاحية. أما الاعتبار الثالث فهو ضرورة أن يتم وضع دستور جديد بالمعنى الحقيقى والكامل وعدم الاكتفاء بتحسين وتجميل الدستور الملغى لأن هذا ما تستحقه البلاد بعد كل ما مرت به خلال العام الماضى. هذه الاعتبارات الثلاثة يعيبها فقط استحالة تحقيقها كلها فى ذات الوقت. فلو رغبنا فى أن يتم وضع دستور جديد ومتكامل، فلا يمكن أن يكون ذلك قبل أشهر عديدة مما يعنى أن يصدر الدستور بعد انتخاب الرئيس، أو أن يتم تأجيل الانتخابات ومد فترة الحكم العسكرى. وإذا كنا نرغب فى تسليم السلطة فى موعدها فعلينا أن نقبل إما بدستور مختصر أو بدستور سابق على انتخابات الرئيس، ولكن ليس بالأمرين معا. فهل نختار أن يكون تسليم السلطة فى موعدها؟ أم نختار رئيسا بعد الدستور وليس قبله؟ أم نختار دستورا جديدا وكاملا بدلا من الاكتفاء بـ«ترقيع» الدستور القديم؟ الاختيار فى جميع الأحوال ليس سهلا، ولكن اقتراحى هو الآتى:

 

أولا: أن يتم الاتفاق سريعا على تشكيل جمعية تأسيسية تحقق التوافق والتمثيل المجتمعى المطلوب، وأن تتخلى القوى السياسية عن صلفها وعنادها من أجل تحقيق ذلك، ولو بقدر من التنازل من كل الأطراف.

 

ثانيا: أن تكون نقطة البداية هى التمسك بأن يتم إجراء الانتخابات الرئاسية فى موعدها وتسليم السلطة لحكم مدنى قبل نهاية يونيو لأن عدم تحقق ذلك يعنى استمرار المرحلة الانتقالية الفاشلة التى نعانى منها جميعا، ولكن هذه المرة دون تحديد نهاية لها.

 

ثالثا: أن نتمسك أيضا بأن يتم انتخاب الرئيس القادم فى ظل أوضاع دستورية واضحة فتكون صلاحياته معلومة ومتوازنة سواء فى ظل نظام رئاسى أم برلمانى وفق ما يختاره الشعب، وبالتالى أن نرفض صدور الدستور بعد انتخاب الرئيس.

 

رابعا: أن نقبل التضحية بفكرة كتابة دستور جديد ومتكامل، ونقبل التعامل بدستور 1971 ببعض التعديلات أو بإعلان دستورى أكثر تفصيلا، ولكن بشرط أن يكون ذلك على نحو مؤقت بحيث يبدأ المجتمع مباشرة عقب انتخاب رئيس جديد فى مشوار كتابة دستور جديد حقيقى ومتكامل من خلال مسار يشارك فيه الشعب بشكل سليم ويعبر عن آماله وطموحاته وتطلعاته للمستقبل، ولو استغرق ذلك عاما أو اثنين أو أكثر.

 

وخامسا: أن يكون واضحا من الآن أنه بمجرد الانتهاء من وضع الدستور الكامل بعد عام أو اثنين أو أكثر، فسوف يلزم إجراء انتخابات برلمانية جديدة حتى يعيد الشعب اختيار من يمثلونه بعد أن يكون قد اختار شكل الحكم وشكل الدولة المقبلة.

 

مخرجنا من الأزمة الحالية هو أن نتفق على ترتيبات دستورية مؤقتة ولكن واضحة، تتيح انتخاب رئيس جديد وانهاء الحكم العسكرى، ثم نأخذ وقتنا بعد ذلك فى كتابة الدستور الكامل لمصر دون توتر أو استعجال. أم هل لديكم بديل أفضل من ذلك؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved