على الخطى «المباركيّة» نسير

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 23 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كم كنّا نحسد المصريين على حريّة التعبير التى تمتّعوا بها فى ظلّ نظام مبارك، وكم ظللنا نحلم بيوم يستطيع فيه (التونسي/ة) أن يواجه آلة القمع ببسالة وأن يعبّر عن ذاته بكلّ حرّية دون أن يعرّض نفسه لمخاطر التعذيب والسجن والتنكيل بأسرته، وكم بقينا نقارن بين وضع المفكّرين المصريين الذين ما فتئوا ينتقدون النظام بكلّ جرأة ويفضحون مساوئه فى مختلف وسائل الإعلام وفى أعمالهم الفكرية أو الأدبية وغيرها ، ووضع أغلب المثقفين التونسيين الذين هابوا بطش بن علىّ فاكتفوا بمراقبة ما يجرى يحلمون بيوم يفكّ فيه أسرهم فتنطلق ألسنتهم.

 

غير أنّ زملاءنا المصريين كانوا دوما يردّدون: لا يغرنّكم أيّها التونسيون ما تسمعونه من انتقادات أو ما تشاهدونه من برامج سياسية تحتدّ فيها لهجة تقريع النظام فالأمر شكلىّ ولا يعدو أن يكون تفريجا عن الكرب ولن يتغيّر وضع المصريين طالما أنّ مبارك ينتهج سياسة: دع المعارض يتكلّم حتى يملّ ويتعب، تبحّ حنجرته ويفقد الأمل وفى المقابل سنفعل ما نريد.

 

●●●

 

واليوم، وبعد أن جاء الحراك العربى ليفتح أبوابا ظلّت موصدة طيلة عقود ، بدأ التونسيون يستمتعون  بحريّة التعبير ويمارسون حقّهم المشروع فى إبداء الرأى فى سياسة الحاكمين وإدارة الفاعلين السياسيين للمرحلة الانتقالية، ينتقدون الوزراء والسياسيين والرؤساء و«إعلام العار» وأداء نوّاب المجلس التأسيسى الذين افتضح أمر أغلبهم إذ صار همّ بعضهم الزيادة فى الرواتب، ونيل الامتيازات على حساب كتابة الدستور فى الموعد المحدّد، وعدّد ولا حرج: صراعات وتراشق بالتهم وتبادل للشتائم، نوادر ومداخلات هزيلة تفضح هشاشة الثقافة وركاكة فى أسلوب التخاطب.

 

ولم تتخلّف أحزاب المعارضة بدورها عن الكشف عن المستور فى سياسة الترويكا ولم يسلم الغنوشى وأتباعه والمنصف المرزوقى وخلاّنه ولا مصطفى بن جعفر وزمرته من الانتقادات اللاذعة والتشهير بالممارسات التى تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحوكمة الرشيدة وما تتطلّبه المرحلة الانتقالية من أسس. فى السياق نفسه ظلّت مختلف مكوّنات المجتمع المدنى صامدة تبتكر استراتيجيات جديدة لمواجهة النكوص ومحاولات الانقضاض على أحلام الأجيال.

 

●●●

 

لقد اكتشف التونسيون أنّ الذين تفنّنوا فى إظهار أنفسهم فى صورة المدافعين عن المهمّشين والفقراء والمعدمين.. أولئك الذين لم يتوانوا عن الجلوس فى الأرض والالتحام بالكادحين وإظهار التعاطف معهم وتقديم الوعود تحوّلوا بقدرة قادر إلى منافحين عن امتيازات النائب فى المجلس التأسيسىّ فلا يعقل أن يركب النائب وسائل النقل العمومية، وأن ينام فى غرفة لا توفّر له الراحة الضرورية ، ولا ضير فى أن يستمتع (النائب /ة) بفرص السفر إلى الخارج واكتشاف العالم، وما المانع فى أن تنتظر الطائرة وصول النائب متأخرا عن موعده؟ وما الغريب فى أن لا يقف (النائب/ة) فى الطابور كغيره من المسافرين وأن يحظى بحفاوة خاصة... وما المشكل فى أن تهدر أموال الشعب فى تنقلات الوزراء... وما المانع فى أن يدير الوزير مكتبه وأن يضطلع بمهام موازية، وما العيب فى أن يكون الإسلاموى متبنيّا المنوال الاقتصادى الليبرالىّ وأن ينمّى تجارته وأن يكون صاحب شركات «فالله يحبّ الأغنياء»، وما الضير فى أن يتمّ التعاون بين النهضاويين و«أزلام النظام»... أمثلة عديدة وتساؤلات مشروعة لم تجد جوابا شافيا ولا مواجهة مسئولة أو اعتذارا رسميّا كلّ ما هناك أننا إزاء فئة ينطبق عليها القول: عمى صمى بكم لا يعقلون وهم على نهج مبارك سائرون بعد أن اتت الطريقة المباركية أكلها... فدعهم يفرغون ما فى جرابهم... ودعنا نعمل بكلّ هدوء... ونعم التعاون بين الشعوب.

 

 

 

  أستاذة بالجامعة التونسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved