فلسفة سياسية لضبط ممارسات خاطئة

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 23 أبريل 2015 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

من حقُ المواطن العربى فى أقطار مجلس التعاون الخليجى أن يطرح السؤال التالى: ترى لو أن قيادة المجلس عبر عمره الطويل راعت وشائج العروبة التى تربط شعوب أقطارها بالشعب اليمنى، ووعت قيمة اليمن التاريخية (وهو منبع وأصل كل الهجرات العربية نحو كل أرض الوطن العربى الكبير) وقيمته الجغرافية (وهو جزء أساسى من شبه جزيرة العرب) وضخامة حجمه السكانى (وعدد سكانه يساوى سكان كل أقطار المجلس مجتمعة) ووفرة يده العاملة (وقد كان بإمكان قواه العاملة ملء مئات الألوف من الوظائف التى يؤتى بغير العرب لملئها)... لو أن قادة المجلس وعوا بعمق ومسئولية قومية وإنسانية كل ذلك هل كانوا سيضطرون لدخول هذه الحرب المدمرة المشتعلة حاليا فى أرض اليمن؟
قد يبدو أن طرح السؤال جاء متأخرا. لكن أية مراجعة لما كتب عن مجلس التعاون منذ نشأته سيظهر أن مثل تلك الأسئلة قد طرحت مرارا وتكرارا، ليس حول انضمام اليمن فقط وإنما أيضا حول انضمام العراق، ولكن دون استجابة من قادة المجلس.
لقد قدُمت أعذار تتعارض مع الفهم السياسى المنطقى: فالعراق غير مستقر ومغامر، مع أن دخوله فى المجلس كان سيبعده عن ارتكاب الكثير من الحماقات العبثية التى أضرته وأضرَت أمته، ودخول اليمن الفقير سيزيد من أعباء التزامات أقطار المجلس المالية، مع أن روابط العروبة والإسلام والجوار والتراحم الإنسانى ومتطلبات الاستراتيجية القومية أمام كل أنواع الأطماع الخارجية يستوجبون أكثر بكثير من الالتزامات المالية.
وطُرح موضوع صعوبة الانسجام بين أنظمة جمهورية وأنظمة مشيخية وملكية، مع أن التاريخ كله يؤكُد أن بناء المصالح الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المشتركة قادرة على تهميش مفعول التباينات فى تركيبة أنظمة الحكم. إن الاتحاد الأوروبى خير مثال على تلك الإمكانية فى التعايش بمقتضى المصالح.
***
المشكلة مع مجلس التعاون هو أنه يمارس السياسة دون أن تحكم تلك الممارسة فلسفة السياسة. فلسفة السياسة تقتضى وضع أهداف قريبة وبعيدة واضحة، الالتزام بقيم ومحددات تضبط الممارسة السياسية، وإعلاء الأهم على المهم. الحاجة لفلسفة سياسية واضحة مثلما تنطبق على الحياة السياسية فى الدولة فإنها تنطبق على التكتلات الإقليمية للدول.
غياب مثل تلك التصورات المبدئية والمنهجية لا يمكن إلا أن يؤدى إلى غياب رؤية مستقبلية أبعد من الأنوف ومن اللحظة الآنية ومن المصالح الضيقة القطرية. وهو ما يفسر الكثير من الاختلافات بين دول المجلس لا بالنسبة للساحة الخليجية فقط وإنما أيضا بالنسبة لقضايا تمس مستقبل الأمة العربية ووطنها.
إن المواقف المتباينة، وأحيانا المتضادة، فى ساحات مثل سوريا وليبيا ومصر والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وإيران وتركيا، وكذلك بالنسبة للعلاقات مع الكيان الصهيونى، شاهدة على غياب تلك الفلسفة السياسية الواضحة الملزمة للجميع.
إضافة إلى كل ما تقدم هناك الصُدفة التاريخية التى تعيشها حاليا دول المجلس، والتى تتمثل فى امتلاكها ثروة بترولية وغازية هائلة. استعمال تلك الثروة فى المساهمة لحل قضايا عربية متفجرة، مثل مقاومة جنون وبربرية وتعاظم جماعات الجهاد الإسلامى التكفيرى العنفى المتخلف فقهيا وحضاريا أو معاضدة المقاومة العربية للاستباحة الصهيونية الاستيطانية العنصرية المتعاظمة أو التخفيف من آفات الفقر والدُيون وتعثُر التنمية الاقتصادية فى بعض بلاد العرب، استعمال تلك الثروة لمثل تلك المقاصد وبعيدا عن التذبذب والانفعالات وتدخُلات الأغراب، سيحتاج إلى الاتفاق على المبادئ والمنهجيات السياسية التى فى مجملها ستكون فلسفة المجلس السياسية.
***
ما نطلبه ليس تمرينا أكاديميا مجردا لا صلة له بالواقع. إنه، بالعكس، انعكاس لواقع عربى يزداد كل يوم قتامة، فهو مطلب ضرورى لمواجهة أخطار كبيرة معقدة محدقة بالمجلس فى حاضره ومستقبله، وصد لرياح تهب عليه من الداخل ومن خارج يتآمر على ثروته واستقراره وأمنه.
آخر تلك الرياح تهبُ عليه من جنوبه. وعندما تهدأ تلك الرياح سيحتاج المجلس لمبادئ فلسفة سياسية تهديه، ضمن مشاعر ومتطلبات الأخوة والعروبة والجوار والإسلام الجامع، إلى سياسات واستراتيجيات جديدة تختلف عن تلك التى مارسها فى الماضى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved